Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

مجالس المناطق.. حسابات الواقع والطموح

A A
30 عاماً مرت على صدور نظام مجالس المناطق، تفاوتت فيها آراء المواطنين وتباينت حول الإنجازات التي حققتها تلك المجالس، وما إذا كانت قد استطاعت بلورة تطلعات القيادة وتنفيذ الأدوار التي من أجلها أنشئت، ومدى قدرتها على تلبية تطلعات المواطنين وترجمة رغباتهم على أرض الواقع. إلا أن نظرة سريعة للأداء الذي صاحب معظم تلك المجالس على مستوى المملكة تكشف أن هناك مساحة بين الأداء الفعلي والواقع المأمول، رغم التقدير للنجاحات التي تحققت في بعض الأحيان.

بدءاً لا بد من التأكيد على أن مجالس المناطق التي صدر الأمر بإنشاء نظامها عام 1412هـ كان الهدف الرئيسي من ورائها إيجاد كيانات محلية تتولى تحديد الاستراتيجيات اللازمة لدعم خطط التنمية، وتحقيق استدامتها، ومتابعة تنفيذ الخطط والمشاريع المعتمدة على مستوى المناطق. وأن تقوم تلك الكيانات -من واقع معرفتها التامة بالاحتياجات المحلية- بتحديد الأولويات التي يمكن أن تصنع الإضافة المطلوبة، وهو ما يُعرف في علم الاقتصاد بالتخطيط من أسفل إلى أعلى ليكون مرتبطاً بالناس وملبياً لاحتياجاتهم.

حسب التعريف السابق، فإن مجلس المنطقة هو حلقة الوصل الرئيسية بين المجتمعات المحلية والمسؤولين في أعلى سلم السلطة، على أن تمر دورة العمل -بطبيعة الحال- بإمارات المناطق والجهات ذات الصلة، حيث يقوم المجلس بتحديد المشاريع التي ينبغي أن تمنح الأولوية في خطط التنمية ليتم اعتماد الأموال المطلوبة لتنفيذها ضمن ميزانيات المناطق، إضافة إلى الإسهام في متابعة وتطوير الخدمات المرتبطة بالمواطنين، وذلك تحت إشراف أمراء المناطق وبالاشتراك مع مديري القطاعات التنفيذية.

بناء على ما سبق يتضح أن مجالس المناطق هي التي تنقل نبض المواطن للمسؤول، إضافة إلى قيامها بالدور المطلوب منها في ما يتعلق بالدعم والمساندة والتطوير، وليس من مهامها الرقابة وتنفيذ العمل الروتيني، وهذا هو الفرق الرئيسي بينها وبين المجالس البلدية، وهو ما لا يدركه قطاع كبير من المواطنين الذين يلجأون في بعض الأحيان إلى المجالس البلدية -بحكم القرب الوجداني معها- للقيام بأدوار هي من صميم مجالس المناطق.

بعد مرور هذه الفترة الطويلة التي قاربت الأربعة عقود على تطبيق هذا النظام، وبنظرة سريعة إلى ما حققته من إنجازات فعلية، يمكن القول ببساطة إن الناتج الفعلي للمجالس ما زال بحاجة إلى تفعيل وتطوير، ولا يتأتى ذلك إلا بتحديث الآليات حتى تكون أكثر قدرة على ملامسة هموم الشارع وتحقيق الطموحات.

وحتى نتحرى الإنصاف يجب الإشارة إلى أن تلك المجالس تعاني من محدودية الصلاحيات التي تفقدها القدرة على القيام بالأدوار التي ينتظرها المواطن، لأنها لا تملك آليات فعالة تمكنها من متابعة تنفيذ قراراتها، فكل ما تستطيع عمله هو تحديد المشاريع ذات الأولوية وحث القطاعات الحكومية المختلفة على تطوير أدائها لمواكبة الاحتياجات الفعلية. كما أن عدم وجود ميزانيات مخصصة لتلك المجالس يحد من قدرتها على التحرك الفعلي على الأرض.

من وجهة نظري يمكن التغلب على تلك المشاكل بزيادة التنسيق مع أمراء المناطق الذين يرأسون -بحكم وظيفتهم- تلك المجالس، والاستفادة من سلطاتهم الواسعة في تحقيق تطلعات المواطنين، والتغلب على الروتين والبيروقراطية باللجوء إلى ديناميكية الأداء. ومن المؤكد أن أمراء المناطق سوف يجدون في تلك المجالس ما يبحثون عنه من كيانات تعينهم على أداء المهام الجسيمة الموكلة بهم، لاسيما أنها تضم في عضويتها إضافة إلى الأكاديميين المؤهلين أعضاء يمتازون بقربهم من مجتمعاتهم المحلية وهم بطبيعة الحال أدرى من غيرهم بالاحتياجات الفعلية للمواطن والمقيم.

وتزداد الحاجة لزيادة التنسيق بين مجالس المناطق وأمرائها للتغلب على مشكلة رئيسية تتمثل في أن كثيراً من التوصيات التي يرفعها أعضاء المجالس لمسؤولي القطاعات الحكومية المختلفة في مناطقهم قد لا تجد طريقها للمسؤولين، بحكم أنها في معظم الأحيان تتضمن انتقادات مبطنة لسير الأداء، وقد يرى هؤلاء أن رفعها ليس في صالحهم فيميلون إلى حجبها، لذلك فإن إيصالها لأمراء المناطق مباشرة يضمن وصولها للوزراء المعنيين بما ينعكس على تجويد الأداء وتلبية رغبات المواطنين ووصول أصواتهم للمسؤولين.

ولأننا نعيش في هذا العهد الزاهر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وفي ظل ما أتت به رؤية المملكة 2030 التي قامت بمراجعات شاملة للمعوقات التي تعترض سبيل التجويد والرقي بأساليب العمل الحكومي، ينادي أحد أهم محاورها بأهمية إيجاد مجتمع حيوي، فإن الآمال معقودة والطموحات قائمة بشدة لإيجاد حلول تمنح مجالس المناطق القدرة على ترجمة تطلعات القيادة الحكيمة في زيادة التقارب بين المواطن والمسؤول، وتجسير الفجوة التي قد تنشأ بسبب تزايد الاحتياجات المجتمعية والمشكلات المحلية التي تتسم في كثير من الأحيان بالتداخل والتشابك والتعقيد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store