Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

واحة الوسطية السعودية تلفظ نبتة الإخوان

A A
مجهود كبير تبذله الجامعات السعودية والإدارات الحكومية المختصة لتحذير أفراد المجتمع، وعلى وجه الخصوص فئة الشباب، من الخطر الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين على الأمن المجتمعي وعلى استقرار الأوطان، بسبب مخالفاتها العديدة لمقاصد الدين وتوجهاته، والأهداف الخفية التي تعمل على تنفيذها تحت ستار الدين وباسمه وهو منها براء. كما يسعى ذلك الحراك الثقافي والفكري المكثف إلى مقارعة عناصر الجماعة الإرهابية بالدليل والحجة المستمدة من الكتاب وسنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.

بدءاً فإن هذا الأسلوب الذي تتبعه المؤسسات الأكاديمية والثقافية لتحصين المجتمع من شرور الحركات المخالفة التي تسعى لإثارة الفتنة في المجتمع هو نهج حضاري عصري يهدف إلى إرساء ما بات يعرف باسم (الأمن الفكري)، وهو أحد أهم أوجه الأمن التي يجب مراعاتها والاهتمام بها، لأن الإنسان في مجمله عبارة عن مجموعة قناعات ومبادئ، فإذا ما اعتنق مبدأ أو آمن به وتم شحنه فكريا فإنه يكون على أتم الاستعداد ليقدم نفسه فداء لما يؤمن به.

ولتأكيد ذلك يكفي الإشارة إلى أن الشباب الذين تورطوا بالانضمام إلى الجماعات الإرهابية المتشددة إنما فعلوا ذلك ظناً منهم بأنهم يقدمون خدمة للإسلام ويدافعون عنه ضد أعدائه -حسبما أوهمهم من قاموا بالتغرير بهم وخدعوهم - لذلك كانوا في حالة استعداد لتفجير أنفسهم وسط القوات الأمنية والأبرياء وكافة من خالفوهم الرأي، وهو ما شهدناه في كثير من دول العالم.

وقد فطنت القيادة السعودية إلى هذه الحقيقة في وقت مبكر، فاهتمت بإنشاء مراكز المناصحة التي أسهمت في تصحيح الأفكار المغلوطة التي كانت تعشش في رأس كثير ممن تم اعتقالهم وتوقيفهم، وبذلت في سبيل ذلك جهداً كبيراً واستعانت بالمختصين من علماء الدين والأخصائيين النفسيين والتربويين، وقد دخل هؤلاء في معارك فكرية مع الموقوفين ونجحوا بحمد الله في إيضاح الأحكام الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، مما كان له أكبر الأثر في تنازل الغالبية العظمى من ضحايا الفكر المتطرف عن المفاهيم المغلوطة وعودتهم من جديد كأفراد صالحين ومنتجين في مجتمعاتهم.

وبتحليل الأفكار والمبادئ التي قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين نجد أنها أشد خطورة مما تعتمده الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، لأن عناصرها لا يجاهرون بالتشدد ويزعمون التوسط والاعتدال، فالإخوان حركة تعتمد على العمل السري وتقوم بتجييش أتباعها وتدريبهم عسكرياً وهي بذلك تستعد لمواجهة السلطات الشرعية، وتخلط ما بين الدعوة والسياسة، وتتبع القاعدة الانتهازية (الغاية تبرر الوسيلة)، وهو ما يعني أنهم في سبيل نشر مبادئهم يمكن أن يقوموا بأي شيء، حتى ولو كان مصادماً لصحيح الدين. وهذا المبدأ يتعارض تماماً مع سماحة الإسلام التي تقوم على أن الأهداف السامية لا تتحقق إلا بوسائل نبيلة، بعيداً عن الاستغلال والانتهازية.

ونظرة سريعة إلى حال الدول العربية التي ابتليت بسيطرة عناصر الجماعة الإرهابية على مقاليد الحكم فيها توضح المفاسد الكبيرة لهذه الجماعة، ففي مصر والسودان على سبيل المثال ذاقت تلك الشعوب مآسي عديدة، ودمرت مقدراتها ونهبت ثرواتها وتشرد أبناؤها في أصقاع الأرض، رغم ما تتمتع به بلادهم من ثروات كبيرة كان يمكن أن تكفل لهم العيش الكريم إذا ما تم توجيهها التوجيه الصحيح. لكن لأن الولاء للجماعة أكبر من الانتماء للأوطان -كما هو في أدبيات الإخوان- فقد نهبت أموال الشعوب وتم تهريبها إلى دول بعينها، لتكون موارد تستخدم في تمويل الأعمال الإرهابية.

وكانت المملكة هدفاً رئيسياً للإخوان، حيث حاولوا التسلل إلى المجتمع السعودي وركزوا على استقطاب وتجنيد الأتباع، في محاولة للوصول إلى الحكم، نسبة لما تتمتع به المملكة من مكانة فريدة لدى سائر المسلمين في كل بقاع الأرض كحاضنة للحرمين الشريفين، وما حباها به الله سبحانه وتعالى من إمكانات مادية هائلة.

وللحقيقة فقد نجحوا في بعض الحالات في مسعاهم، وتمكنوا من تمرير العديد من أفكارهم الشريرة داخل المقررات الدراسية، وكانت كثير من الكتب التي تحمل مبادئهم تُباع بصورة علنية في المكتبات وتشارك في معارض الكتاب، وهي كما وصفها بعض المفكرين أشد خطورة من القنابل والمتفجرات.

وبحمد الله فقد انتبهت القيادة السعودية لذلك المخطط الشرير، وبدأت في هذا العهد الزاهر الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويعضده ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- حملة مضادة لاجتثاث أفكار تلك الجماعة التي تماثل السرطان، ونجحت المملكة في مساعيها لإقرار الوسطية أسلوباً للتعامل، ولم تكتفِ بالجهد الأمني، بل اتبعت كعادتها أسلوب الحكمة وطريق الحجة لتحقيق غاياتها، وسخّرت مؤسساتها الدينية والفكرية والأكاديمية لتحقيق هذا الهدف، صيانة لمجتمعها، وحماية لأمنها، وحفظاً لأبنائها وشبابها، وهي على ذلك قادرة بحول الله تعالى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store