Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

التخصيص.. معالجة عصرية لمشكلات مزمنة

A A
خطوة اقتصادية في غاية الأهمية اتخذتها الدولة بموافقة مجلس الوزراء خلال الأسبوع الماضي على نظام التخصيص في خطوة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وإيجاد المزيد من الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص ودعمه لزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وفي ذات الوقت تطوير وترقية الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، والقضاء على كافة أشكال الترهل الإداري والبيروقراطية والروتين الذي تعاني منه العديد من مؤسسات القطاع العام.

هذه الخطوة تأتي تنزيلاً لرؤية المملكة 2030 التي ركزت على تنمية القطاع الخاص وأولته اهتماماً بالغاً باعتباره القاطرة التي تقود مسيرة الاقتصاد الوطني، حيث أكدت الرؤية في أكثر من موضع على ضرورة زيادة قدرة هذا القطاع على تقديم الخدمات العامة وتقليل تكاليفها وفي نفس الوقت زيادة مستوى جودة ورقي الخدمات. كما تهدف الرؤية إلى رفع مساهمة القطاع الخاص إلى ما يزيد على 65% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحسب ما أعلنه المركز الوطني للتخصيص على لسان مدير عام الاتصال الإستراتيجي والتسويق، هاني الصائغ، فإن القطاعات التي سوف يشملها التخصيص هي البيئة، والمياه والزراعة، والنقل، والطاقة، والصناعة والثروة المعدنية، والعمل والتنمية الاجتماعية، والإسكان، والتعليم، والصحة، والبلديات، والحج والعمرة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والإعلام، والرياضة، وقطاعات في الداخلية والمالية. على أن تكون العملية بالتدرج الذي يحقق الأهداف المرجوة، وقد تم بالفعل اختيار العديد من المشاريع وإطلاقها في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والبلديات والبيئة والمياه والزراعة والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية».

ولا شك أن القطاع الخاص في كافة الدول المتقدمة اقتصادياً يلعب دوراً أساسياِ في دفع عجلة التطور الاقتصادي، بما يملكه من ديناميكية ومرونة وقدرة على استيعاب المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم بصورة شبه يومية، إضافة إلى قدرته الكبيرة على إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية المتميزة للشباب السعودي ودعم مقدراته ورفع كفاءته عن طريق برامج التدريب العصرية المتطورة التي تأخذ في حسبانها ما يشهده سوق العمل من منافسة محتدمة.

كذلك فإن مؤسسات القطاع الخاص سوف تكون حريصة في ظل نظام التخصيص الجديد على تقديم أرفع وأرقى الخدمات، وبالذات إذا أخذنا في الاعتبار المنافسة المحتدمة التي ستحدث عند ترسية العقود. ولا شك أن هذه العملية سوف تتم في شفافية ونزاهة كاملة، لا سيما في ظل أجواء الحرب التي تشنها الدولة على مكامن الفساد الإداري والمالي . وحتما فإن السلطات المسؤولة سوف تكون حريصة على استيفاء كافة عناصر النزاهة والبعد عن المحسوبية والفساد.

هذه المنافسة كفيلة بتحقيق جودة الخدمات التي يبحث عنها الجميع، ولتحقيق هذا الهدف فإن الفرص الاستثمارية ستكون متاحة أمام جميع المستثمرين من القطاع الخاص، سواء المحلي أو الدولي، وهو ما يمكن ضمانه عبر الإجراءات الشفافة التي أعلن عنها المركز الوطني للتخصيص.

لتحقيق الفائدة الكبرى من التخصيص فإن هناك جوانب اجتماعية وإنسانية ينبغي مراعاتها، مثل مجانية التعليم والصحة للمواطنين وهو ما أكدت عليه الدولة مراراً وتكراراً، إضافة إلى تطوير الخدمات الصحية وهو ما يمكن ضمانه عبر توسيع مظلة التأمين الطبي بحيث يشمل المواطنين الذين لم يحصلوا عليه بعد.

ولأن البعض اعتاد التخوف من كل قرار جديد، لا سيما إذا كان قراراً مصيرياً وهاماً مثل التخصيص، فقد أعرب كثيرون عن خشيتهم من سوء تطبيق القطاع الخاص لقرار التخصيص، وهي تخوفات لا أرى أن لها دوافع منطقية، لأن الدولة بكل تأكيد لن تترك الأمر على عواهنه، ولن تسمح بوجود تجاوزات وستكون هناك اشتراطات صارمة وضوابط محددة وواضحة، إضافة إلى شروط جزائية قد تصل إلى حد فسخ التعاقد في حالة حدوث أي تجاوزات، وستكون مؤسسات القطاع الخاص أكثر حرصاً على تطبيق بنود العقود، لأن المنافسة ستكون كما ذكرت آنفاً على أشدها.

هذه المرحلة تشكل علامة فارقة في مسيرة الاقتصاد الوطني وسوف تسهم في تحقيق تطور اقتصادي ومجتمعي تحتاجه بلادنا، والهدف منها ليس تكديس الثروة في أيدي قلة من رجال الأعمال، بل إحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة للجمهور، لذلك فإن المطلوب هو التفكير خارج إطار المكاسب الآنية والأرباح الذاتية، وأن يتعامل معه رجال الأعمال بالنظرة الشمولية التي يستحقها، لا سيما في هذه الفترة التي يتم فيها تطبيق التجربة على قطاعات معينة، فالنجاح المطلوب يقود إلى تعميم التجربة في بقية القطاعات ويحقق أرضية صلبة تسمح بتنفيذ بقية التصورات والأهداف التي تشتمل عليها رؤية المملكة 2030 بما يسمح لبلادنا بارتياد آفاق اقتصادية جديدة، تسهم في زيادة الدخل القومي وتنعش الاقتصاد الوطني وتوفر المزيد من الفرص الوظيفية للشباب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store