Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

8 آبار أثرية بالمدينة.. إرث إنساني وشواهد تاريخية

8 آبار أثرية بالمدينة.. إرث إنساني وشواهد تاريخية

بعضها شرب منه الرسول ومن بعضها توضأ واغتسل

A A
بعضها شرب منه الرسول ومن بعضها توضأ واغتسل

آبار أثرية بالمدينة.. إرث إنساني وشواهد تاريخية

المدينة- مكتب المدينة

تمثل ثماني آبار أثرية قديمة بالمدينة المنورة إرثا إنسانيا يعتز به كل مسلم ومكونا تاريخيا شاهدا على صفحة من صفحات تأريخ المدينة المنورة ..

هذه الآبار تعود إلى عصر الدعوة الإسلامية الأولى، بعضها شرب منه رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، وبعضها توضأ أو اغتسل من مائه، سواء في حله أو ترحاله.

رصد وحفظ

عني الباحثون والمؤرخون والجهات الرسمية برصد الآبار القديمة, والتثبّت من مواقعها الموثوقة, رغم تأثر بعضها بالتمدّد العمراني, ودخولها ضمن التوسعات المتلاحقة للمسجد النبوي, والأملاك والمزارع, فيما أولت المملكة ممثلة بالجهات المعنية اهتماماً بالغاً وعناية بالحفاظ على الآبار الأثرية والعناية بها, وإصلاحها, وحفظها من الاندثار, وإعادة إحياء بعضها, بوصفها إرثاً تاريخياً بارزاً, ومعالم إنسانية ملموسة ترتبط بالحياة الاجتماعية لمن سكنوا المدينة النبوية قبل وبعد الهجرة النبوية.

أسماء الآباء

ويصف مدير قطاع التواصل العلمي والثقافي بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة الدكتور محمد بن عبدالهادي الشيباني الآبار النبوية بأنها تمثّل جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية للمدينة المنورة وارتباطها بالعهد النبوي, مبيناً أن المدينة المنورة تحتضن العديد من الآبار التي يجمع الباحثون والمؤرخون على أماكنها، ومن أبرزها بئر بضاعة, وبئر السقيا, وبئر العهن, وبئر البصة أو البوصة الصغرى, وبئر غرس, وبئر حاء أو كما يسمى «بيروحاء», وبئر رومه, وبئر أريس «الخاتم».

«بضاعة» وشهادة نبوية

وبيّن الدكتور محمد الشيباني أن بئر «بضاعة» بئر أثرية قديمة تقع في الجهة الشمالية الغربية من الحرم النبوي، وكانت البئر لبني ساعدة، وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» كما في رواية أبي داود، كما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وشرب منها.

وقال أبو داود: سمعتُ قتيبةَ بنَ سعيد قال: سألت قَيِّمَ بئرِ بُضاعةَ عن عُمقها، قال: أكثَرُ ما يكونُ فيها الماءُ إلى العانةِ، قلتُ: فإذا نقصَ؟ قال: دونَ العَورَة.

وقال أبو داود: وقدَّرتُ أنا بئرَ بُضاعةَ برِدائي مَدَدتُه عليها، ثمَّ ذَرَعتُه، فإذا عَرضُها ستَّة أذرُع، وسألتُ الذي فتحَ لي البستانَ فأدخَلَني إليه: هل غُيِّرَ بناؤُها عمَّا كانت عليه؟ قال: لا، ورأيتُ فيها ماءً مُتغيِّر اللَّون, ثم عبر تاريخها انتقلت الى بعض الملاك وأقيم عليها بستاناً.

وأفاد الدكتور الشيباني أن بئر «بضاعة» دخلت في التوسعة الأخيرة للمسجد النبوي الشريف، وصارت أرضها جزءاً من الساحات الخارجية, ومكانها في القطعة رقم 129 من مخطط المنطقة المركزية، وتبعد عن الركن الشمالي الغربي للسور المحيط بساحات الحرم حوالي 60 متراً باتجاه الشمال الغربي على وجه التقريب.

«السقيا» واستعذاب الماء

وأضاف الشيباني أن من بين الآبار الأثرية القديمة في المدينة المنورة بئر «السقيا» وهي بئر أثرية قديمة تقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي الشريف، جنوب بناية السكة الحديد في أرض تسمى الفلجان، على يسار الخارج من باب العنبرية، وعلى يمين الداخل إلى المدينة، منقورة بالجبل عمقها 14م وقطرها 6 أمتار, وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم يستعذب ماءها، وتوضأ منها, وعرض عندها الجيش الذاهب إلى بدر، ثم انتفلت ملكيتها لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

وأصبحت مؤخراً ضمن أراضي أمانة المدينة في سوق الخضار والفاكهة جنوب محطة القطار.

«العهن» وتغيير الاسم

ويصف مدير قطاع التواصل العلمي والثقافي بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة بئر «العهن» بأنها تقع في عالية المدينة، وكانت تسقي بستانا لبني أمية من الأنصار، وهناك منازلهم، ثم انتقلت في إحدى فترات التاريخ لأحد أفراد أسرة العمريين - نسبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقال المطري عقبه: وبئر «العهن» هذه معروفة بالعوالي، وهي بئر مليحة جداً، منقورة في الجبل.

وقال السمهودي: والذي ظهر بعد التأمل أن بئر «العهن» هي بئر اليسيرة, وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليها، وكان اسمها عسرة, فسماها اليسيرة, وأنه توضأ منها, وبصق فيها, وأنها في منازل بني أمية من الأنصار, منقورة في الصخر، وهي مطويّة بالحجارة السوداء المطابقة، والبئر وبستانها اليوم وقف آل البرزنجي، وماؤها عذب حلو, ويحسّن في بستانها النخيل والرمان والعنب والليمون وغير ذلك.

«البصة» وغسل رأس النبي

ويستطرد الدكتور الشيباني في سرده لأبرز الآبار الأثرية القديمة في المدينة المنورة, مضيفاً أن منها بئر «البصّة» أو البوصة الصغرى وتقع في الجهة الجنوبية للمسجد النبوي الشريف خارج السور، وهي قريبة من البقيع على طريق العوالي بين النخل عند دار بني خدرة, وعندها أطم مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري, وقد خرج إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فغسل رأسه, وصبّ غِسالة رأسه فيها، وإلى جانبها: بئر البصة الصغرى، ويختلف الناس في أيتهما بئر البصة الصغرى، والمرجح أنها القبلية، وعرضها ستة أذرع، وقد جُعل لها درجاً.

وقال الشيباني إن بئر «البصّة» أصلحت فيما بعد, وأقيمت عليها مزرعة ذات نخيل على يد الشيخ عزيز الدولة ريحان البدير الشهابي, شيخ خدّام الحرم الشريف (ت 697هـ) وأوقفها على الفقراء والمساكين آنذاك.

وزاد أن هذه البئر يسميها البعض «البوصة» وهي باقية حتى الآن داخل بستان قرب باب العوالي, وتعرف باسم بئر البوصة, وموضعها حالياً على يمين المتجه عبر الجسر من العوالي إلى العنبرية, ومجمع وقف البوصة والنشير قائم على بستانها.

«غرس» وعيون الجنة

وبيّن الدكتور الشيباني أن بئر «غَرس» كذلك تعدّ إحدى الآبار الأثرية القديمة, والغرس الفسيل، أو الشجر الذي يغرس لينبُت, وهي بئر بقباء, على منازل بني النضير، وحولها مقابر بني حنظلة، شرقي مسجد قباء، على نصف ميل إلى جهة الشمال، بين النخيل في المكان المسمى الآن «قربان»، ويمرّ إلى الجنوب منها قريباً الطريق الذي يربط بين طريق قربان والعوالي، وأصبحت الأرض التي فيها البئر الآن في ظل مبنى معهد الهجرة التابع لعبد الباري الشاوي.

وبيّن أن بئر «غرس» كانت لسعد بن خيثمة وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت في منزله أيامه في قباء قبل أن يتحول إلى المدينة، لذلك تعد من آبار قباء, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها ويبارك فيها، وقال لعلي رضي الله عنه حين حضرته الوفاة «إذا متُّ فاغسلني من بئر غرس بسبع قرب».

وقد ورد ذكرها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعدٌ عند بئر غرس «رأيت الليلة كأني جالس على عين من عيون الجنة»، يعني بئر غرس, كما ورد أن رباحاً غلام النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقي من بئر غرس مرة، ومن بئر السقيا مرة.

وقال عنها ابن النجار في القرن السادس الهجري: وهذه البئر بينها وبين مسجد قباء نحو نصف ميل.

«أريس» وخاتم النبي

وأضاف أن من ضمن الآبار التاريخية القديمة التي تعود إلى ما قبل العهد النبوي بئر «أريس» أو كما تعرف ببئر «الخاتم» وتقع غرب مسجد قباء من الجهة الغربية, وسمي بـ «الخاتم» لأن خاتم الخلافة سقط فيه من عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في السنة السادسة من خلافته, وبحثوا عنه ثلاثة أيام دون جدوى، وهو الخاتم الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حمله أبو بكر مدة خلافته، وكذلك عمر بن الخطاب مدة خلافته، وانتقل بانتقال الخلافة إلى عثمان - رضوان الله عليهم - وقد عدَّ بعض المؤرخين ضياع الخاتم إرهاصاً بالفتنة والأحداث التي وقعت في السنوات التالية, والتي انتهت باستشهاد عثمان رضي الله عنه.

ويذكر بئر «أريس» في الأحاديث الصحيحة، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على حافتها ودلّى رجليه فيها، وتوضأ منها، وجلس عنده الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان.

وأبان الشيباني أنه لا يُعلم تاريخ حفر بئر «أريس» وطيّها، وكان ذلك قبل عهد النبوة، وقد طويت بالحجارة المنحوتة السوداء المطابقة, وذكر ابن النجار في القرن السدس الهجري أنها تقع مقابلة مسجد قباء، عندها مزارع، ويستقى منها، وماؤها عذب وتابع : وفي سنة 714هـ جُعل لهذه البئر درجٌ ينزل إليها من يريد الوضوء والشرب منها, بناه الشيخ صفي الدين بن أبي بكر بن أحمد السلامي, بعد أن اختلّ ما باناه نجم الدين يوسف الرومي وزير الأمير طفيل, وقد دخلت بئر «أريس» في التوسعة الأخيرة لمسجد قباء وغطتها الساحة الخارجية من الجهة الغربية.

«حاء» وشراب النبي

وأضاف الشيباني في حديثه عن بعض الآبار الأثرية القديمة في المدينة المنورة : ومن بينها بئر «حاء» وتقع خارج سور المدينة من الجهة الشمالية في منطقة الباب المجيدي, وكانت ملكاً للصحابي أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - فتصدق بها ونفذ فيها وصية الرسول بأن يقسهما في الأقربين فَقَسَمَهَا بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ, وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثم اشتراها معاوية، وبنى في بستانها قصر الجديلة. وزاد : وقد صفها ابن النجار في القرن السادس الهجري فقال: وهذه البئر اليوم وسط حديقة صغيرة جداً وعندها نخلات, ويزرع حولها، وعندها بيتٌ مبنيٌ على علوّ من الأرض، وهي قريبة من سور المدينة، وهي ملكٌ لبعض أهل المدينة من النويريين, وماؤها عذب حلوٌ. وبيّن الشيباني أن بئر «حاء» أو كما تسمى «بيروحاء» دخلت مؤخراً في نطاق التوسعة من الجهة الشمالية للمسجد النبوي الشريف، وموضعها معروف داخل الحرم، وهي على بعد عدة أمتار من باب الملك فهد من داخله, وقد وُضع عليها قطعة مستديرة من الرخام الملوّن.

«رومة» وقصة عثمان

ومن الآبار الأثرية في المدينة النبوية بئر «رومة» ويصفها المؤرخ الدكتور محمد الشيباني بأنها بئر قديمة تنسب لرجل من قبيلة غِفار, اسمه رومة, يقال إنه اشتراها من رجل مزني، وتقع في الشمال الغربي من المدينة المنورة - حي الأزهري- قرب مجرى وادي العقيق، وتبعد عن المسجد النبوي حوالي خمسة كيلومترات.

وأضاف : أن البئر كان يملكها في العهد النبوي رجلٌ من غفار، فاحتاج المسلمون إليها ــ فحضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على بذلها للمسلمين, فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه, وجعلها في سبيل الله, ويروى أنه زاد في حفرها ووسعها, وقد ظلت هذه البئر معلماً تاريخياً عبر العصور الماضية, ويبدو أنها أهملت في بعض الأوقات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store