Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

عُمرة: سبع نجوم

A A
ليس من رأى كمن سمع: هذا ما يمكن قوله بحق التنظيم الباهر والتخطيط الرائع لأداء العمرة في شهر رمضان 1442هـ وفي ظل هذه الجائحة الكاسحة، وأول ما يُرى الإجراءات الاحترازية الدقيقة التي تضمن التباعد وتحول دون التزاحم بوجود جيش من العاملين والمتطوعين الذين يتعاملون بكل رفق وحسن خلق مع المعتمرين، خصوصاً في المطاف ويطلبون بأدب رفيع من الطائفين أن يلتزم كل منهم بالمسار المحدد بدقة دون أي انحراف كي لا تختلط الصفوف ويحدث الزحام الذي لا تحمد عقباه، ويُخصص مسار هو الأقرب للكعبة المشرفة للكراسي المتحركة وكبار السن مميز بلون معين كبقية المسارات المميزة بألوان كذلك. ومما شهدته بنفسي أن الكراسي المتحركة متوفرة بكثرة بالقرب من الكعبة ويطلبها العاملون لمن يحتاجها وتصل في دقيقتين أو أقل، ويدفعها شبان متطوعون (تقبل الله منهم) على قميص كل منهم شارة: (متطوع)، ويبقون مع المعتمر حتى ينهي طوافه، ثم يوصلونه الى منطقة السعي بتؤدة وسكينة وينتظرون حتى يفرغ من دعاء الطواف، ولا يتركونه إلا وقد استلم إحدى السيارات الكهربائية المتوفرة بشكل يبعث على الشكر والعرفان. والحديث عن هذه السيارات يطول، فهي من أرقى السيارات الكهربائية في العالم وتتوفر بها كل شروط ومواصفات الأمان العالية جداً. ولأول مرة في حياتي أرى نوعاً منها يُقِلُّ راكبين وبه مقعد وثير ويستوعب شخصين بكل راحة وسعة، ويمكِّن هذا النوع من أراد أن يساعد أمه أو أباه أو أي شخص مُسن من أن يقود السيارة عنه ويرعاه في الوقت نفسه، وهي تفوق في مواصفاتها ما توفره بعض مدن الملاهي العالمية مثل ديزني ويونيفرسال التي أعرفها جيداً، والتي تؤجرها بمائة دولار، بينما تؤجَّر هذه العربات للمعتمرين بخمسين ريالاً فقط أي حوالي 15 دولاراً. ناهيك عن سقيا زمزم في كل حدب وصوب من الحرم بين قوارير صغيرة معقمة توزَّع على الناس، أو عمال يحملون خزانات صغيرة مبردة لها خراطيم وصنابير يصبُّون منها ماء زمزم في كؤوس بلاستيكية معقمة ويقدمونها لكل من يطلبها.

ويمكن القول إن التنظيم الدقيق بدءاً بمنح التصريح للمعتمرين وانتهاء بتمام العمرة يعتبر تجربة لا بد أن يستفيد منها العالم كله في إدارة الحشود، في ظل جائحة كورونا دون أدنى شك، فالتصريح يُمنح للمحصَّنين فقط ممن تناولوا جرعتي اللقاح مما يحد من احتماليات العدوى بشكل كبير بإذن الله. وتمنح التصاريح في أيام وساعات محددة (ثلاث ساعات) بحيث توزع الحشود على مدار اليوم والليلة دون أي تزاحم، وتُراقَب التصاريح بدقة بالغة ويطّلع عليها المراقبون في نقاط عدة حتى يصل المعتمر إلى الحرم ويدخله.

ونُصَّ على غرامة مالية لمن يخالف النظام أو يحضر في غير موعده لأغراض الضبط والربط. ناهيكم عن تنظيم صفوف المصلين بحيث يحافظ على التباعد بكل دقة دون أي ثغرات كما رأيت بأم عيني، وكما يظهر في شاشات الفضائيات.

وحُقَّ لنا أن نقارن كل هذا الانضباط والتنظيم بما يحدث لدى الأمم الأخرى، وفي بعض الطقوس الدينية لدى الملل والنحل المختلفة، وغير بعيد عنا ما حدث في إسرائيل من وقوع عشرات القتلى والجرحى بين اليهود إثر تدافع في احتفال يهودي في جبل الجرمق (ميرون) في 30/4/2021م، ولا ما حدث للهندوس من انتشار لوباء كورونا إثر مهرجان كومباميله كما يسمى، حين ألقى الملايين منهم أنفسهم في نهر يسمونه (النهر المقدس) فنشروا الوباء في عموم الهند حتى انهار نظامها الصحي تماماً. ومعلوم أيضاً أن بابا الفاتيكان ألغى حشود النصارى في قداس عيد الفصح هذا العام في الفاتيكان لعدم إمكانية التحكم بالزحام والتدافع.

لذا فإن انضباط المسلمين في هذا البلد المسلم بات مثلاً يُحتذى لكل دول العالم بتوجيه حكومته الرشيدة وحرص كل قطاعاته على سلامة المسلمين وفي مقدمتها وزارة الحج ورئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وكل قطاعات الدولة الأخرى، تقبل الله منهم جميعاً، وكل عام وأنتم بخير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store