Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

ميج 21

A A
هذا المقال عن أقصى درجات النذالة.. وفي بدايته حكاية طائرة.. يمكننا اعتبار أن الأرز هو أكلة الشعب الأولى لأنه الأكثر استهلاكاً حول العالم.. وأن سيارة «التويوتا كورولا» هي سيارة الشعب لأنها الأكثر مبيعاً حول العالم.. وأن هاتف «الأي فون» هو جوال الشعب لنفس السبب.. وموضعنا اليوم عن «مقاتلة الشعب» الأسرع من الصوت.. وهي طائرة «الميج 21» الروسية.. فهي الأكثر مبيعاً في التاريخ. اسمها يرمز إلى مكتب المهندسين السوفيتيين «ميكويان» الأرمني الأصل، و»جيرفيتش» الروسي.. واسم «ميج» يعكس أول حروف اسميهما.. وقد أنتجت من هذا الطراز أكثر من أحد عشر ألف طائرة في الاتحاد السوفيتي، وتشيكوسلوفاكيا، والهند، والصين منذ بدء إنتاجها عام 1959.. وطارت في القوات الجوية في حوالي أربعين دولة، وكانت الأكثر مشاركة في الحروب المختلفة.. فيتنام، والحروب بين باكستان والهند، وحرب 1967، وحرب الاستنزاف، والعاشر من رمضان، وفي الاشتباكات الجوية السورية الشقيقة ضد الكيان الصهيوني منذ منتصف الستينيات، وفي حرب البلقان، ومجموعة اشتباكات في أفريقيا.. وباختصار شهدت هذه المقاتلة أكبر عدد من المعارك الجوية النفاثة في التاريخ. وتألقت في العديد من الخصائص ومنها التصميم الهندسي السابق لزمانه.. كانت خفيفة الوزن.. وصغيرة نسبة إلى منافسيها.. وكانت سريعة جداً في الصعود والتحليق.. وتوجت خصائصها في اقتصاديات شرائها وتشغيلها. وأضيفت لها العديد من التحسينات عبر فترة إنتاجها الطويلة التي امتدت لأكثر من ربع قرن. وبعض من خصائصها المميزة كانت تصميم جناحيها على شكل مثلث صغير جداً نسبة إلى جسمها مما جعلها أشبه بالصاروخ ولكنه منحها قدرات رفع كبيرة .. كما أنها فصلت ذلك المثلث عن الرافعات الخلفية لتضيف إلى وجاهة منظومة الرفع والمناورة. ومن روائعها أيضا أن محركها الوحيد كان قوياً جداً، وكان يحتوى على آلية ذكية تسمح «بفرملة» الهواء الداخل إلى جوف المحرك على سرعات عالية لتيسير احتراق الوقود. وتحديداً، فلا يمكن دخول الهواء على سرعة تفوق سرعة الصوت إلى داخل أي محرك نفاث، ولذا فكان الجزء الأمامي من محركها يتحرك ليسمح «بتهذيب» الهواء على السرعات العالية.. وهذه من روائع هندسة المحركات النفاثة للطائرات فائقة السرعة.

ولكن للأسف أن قصتنا لها جانبها الداكن المشبع بالنذالة وأعلى درجاتها وهي الخيانة. في عام 1965 طلب رئيس القوات الجوية في الكيان الصهيوني «ايزر وايتزمان» من زميله رئيس جهاز الاستخبارات «مائير أميت» طائرة ميج 21 باعتبارها طائرة العدو الأكثر خطورة.. وكان الطلب غريباً لأنه كان طلب سرقة «عيني عينك».. وكانت سرقة صعبة لأن المقاتلة كانت جديدة وفريدة. وبدأت عملية تحويل الفكرة إلى مشروع قابل للتنفيذ.. وبدأت عملية «يحالوم» ومعناها «الجوهرة» باللغة العبرية، وكان جوهرها هو الخيانة فاستهدفت إيجاد نفوس ضعيفة قابلة لتسليم طائرة من إحدى القوات الجوية العربية إلى قوات الكيان.. وباختصار تم استشعار قابلية الخيانة فوجدت في «منير ريدفا» وكان طياراِ على تلك المقاتلة في إحدى الدول العربية الشقيقة.. تواصل معه العملاء واتفقوا على أن يتم الطيران بالميج إلى قاعدة «هاتزور» في فلسطين المحتلة، وأن يتم إخلاء جميع أفراد أسرته ونقلهم إلى تل أبيب. فتمت العملية في 16 أغسطس وسلمهم الخائن المقاتلة كاملة لدراستها بالتفاصيل. وكانت هذه من خسائر العرب الكبرى، وكانت من المكاسب الهائلة للقوات الجوية الإسرائيلية لأنها استفادت منها في حرب 1967 وما بعدها.

أمنيـــــــة

كل طائرة وراءها حكايات.. والميج 21 كانت من المقاتلات المتفوقة في أدائها الحربي والاقتصادي، ولكن قصة الخيانة الكبرى أضافت الجوانب الأخلاقية المخزية. أتمنى أن نتذكر تلك القصص فهي من المؤثرات على التاريخ والله يقينا شر الخيانة والخونة، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store