Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

رحم الله من لم يعد عليهم العيد

A A
في كل مناسبة سعيدة كرمضان المنصرم، والعيد السعيد، أصبح الواحد منا يلجأ إلى هذه الآلة الصغيرة العجيبة التي باتت حياته كلها مرتبطة بها: الجوال، ليستعرض قائمة الأسماء التي فيها، ليختار منها أحبابه وأقرباءه وخلانه، بعد أن كان اختار رسالة تهنئة رقيقة، لتُرسل لهم بضغطة زر واحدة، واستغنينا بذلك عما كنا ندأب عليه قبل سنوات خلت من طَرَق أبواب الأقرباء والأحبة بعد صلاة العيد لنسلم عليهم. وليس حديثي اليوم في هذه المقالة عن تلك العادات الجميلة العطرة في حبيبتنا مكة في السابق، ولا ما تحولنا إليه باستخدام التكنولوجيا المتقدمة في اللاحق، بل هو حديث عن شعور ينتاب كل فرد منا، خصوصاً من كان من مناهزي الستين أو من تعدُّوها، حين يمر علينا في كل مناسبة سعيدة أسماء مازالت موجودة في جوالاتنا، ولكن أصحابها ماعادوا موجودين في دنيانا الفانية وبُدِّلوا دياراً خيراً من ديارنا وأهلاً خيراً منا ومن أهليهم. وأكاد أجزم أن كل فرد منا يفقد عدداً ذا بال في كل مناسبة، سواءً كان مهنئاً برمضان أو العيدين أو العام الهجري الجديد، ولعلها فرصة سانحة للتأمل والتدبر والعظة، فسوانا من خلْقِ الله قضوا أمس، وقد نقضي بعدهم اليوم أو غداً، ومع استحضار حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي بين الستين والسبعين»، إلا أن من يقضون نَحبَهم في هذه المناسبات لا ينبغي أن يكونوا بين الستين والسبعين بالضرورة، ففي عصر السرعة كم نفقد من شبابنا اليافعين، وفي عصر المأكولات المعلبة والمحفوظة والجاهزة، كم يُتوفى صغار السن بغتة بسكتة، وفي عصر التلوث، كم تُزهق أرواح بذات الرئة، وسواها ألف فئة وفئة.
وأحمد الله تعالى أن كثيراً من أبناء وبنات هذه البلاد الطاهرة يستحضرون فحوى هذا الحديث الشريف. أذكر أنني زرت أحد أصدقائي المقربين من رجال الأعمال الكبار الذين بارك الله لهم في رزقهم. زرت هذا الأخ بصحبة أخ آخر من رجال الأعمال الذي عرض عليه مشروعاً مهماً وكبيراً ومدروساً ويدر أرباحاً هائلة. وذكر له أنه خصه بهذا المشروع دون سواه من رجال الأعمال، فما كان منه إلا أن أخبرنا أن استثماراته تغير مجالها هذه الأيام بعد أن تجاوز هو وامرأته الستين، وذكر لنا الحديث الشريف، وقال إنني أعمل اليوم لما بعد الموت، وأخبرنا دون مباهاة أو رياء أنه يكفل وامرأته مئات الأيتام في الوقت الحاضر، ليحثنا على المضي في هذا السبيل المفضي إلى صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما أخبر عليه الصلاة والسلام. وسوى هذا الأخ كثير ولله الحمد، وأعرف أسماء كثيرة وكبيرة من المانحين والمتبرعين ممن أدركوا أن هذا الدنيا الى فناء وأن الآخرة هي دار القرار فاجتهدوا في العمل لها وما ضنُّوا بكل ما يمكن تقديمه للمحرومين وذوي الحاجة. ورمضان خصوصاً هو موسم الخيرات والهبات كما شهدنا هذا العام ونشهد كل عام ولله الحمد في هذه البلاد الخيرة الطيبة، ومن يدري، فقد يكون ما يقدمه الأسخياء في بلادنا واحداً من الأسباب لحفظها من كل شر، وتمتعها بالأمن والأمان دون كثير من الدول المجاورة وغير المجاورة. وأختم مقالتي هذه بما بدأتها به بدعوتي كل القراء الأعزاء ليستعرضوا قائمة الأسماء في جوالاتهم ليذكروا إخوة وأخوات كثراً انتقلوا الى رحمة الله، وذلك للعظة والعبرة بأننا جميعاً على الدرب نفسه سائرون، لنعمل لما بعد الموت، ولندعو لهذه الزمرة التي قضت في سنتنا هذه. وكل عام وأنتم بخير.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store