Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

«حنظلة» السويدي: سيرة حقيقية لشخصية افتراضية

A A
في شهر يونيو من العام 2016م، بدأ صاحب الحساب الشهير المدعو (@CHIVOS3حنظلة) على منصة تويتر، حزمة من التغريدات المتتالية التي تضم مقاطع ساخرة لسيرته الذاتية.. وقد جُمعت هذه التغريدات في كتاب تحت عنوان (بلاك ما تعرف السويدي)، مع عنوان ثانوي (تغريدات سيرية).. وتمثل هذه المحاولة تجربة لافتة للنظر، ليس لحجم انتشارها وتفاعل المغردين والمغردات معها وحسب، بل لقدرتها على الاستفادة من حزمة الإمكانات والشروط التقنية التي يوفرها موقع تويتر، لإنتاج عدد من النصوص السردية القصيرة المرتبطة ببعضها ارتباطاً عضوياً، يجعل تحليلها بصفتها بنية واحدة (مفتوحة) أمراً ممكناً.

بدأت تغريدات حنظلة (السيرية) في الليلة الأولى من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك عام 1437هـ، واستمرت لمدة أربعة أيام، وبلغ عددها 186 تغريدة، وشهدت تفاعلاً لافتاً من متابعيه، تجاوز عدد الذين أبدوا إعجابهم وأعادوا تدوير العشرين تغريدة الأولى فقط عشرات الآلاف.. كما كانت التعليقات على كل تغريدة متواصلة طوال فترة التغريد.. وتثبت التغريدات وعي الكاتب الناضج بالحدود والإمكانيات التي يوفرها أو يجبره عليها الموقع، فاستخدمها بذكاء جاعلاً من السخرية البنية الأساسية التي تنتظم فيها علاقات العناصر النصية في التغريدات، ومعتمداً أسلوباً في الكتابة أشبه ما يكون بلسع النحلة، حيث تمثل كل تغريدة جملة -أو لسعة- أدبية مستقلة.. يقول مثلاً: «كانت والدتي -حفظها الله- تطبع قُبلة على رأسي وأنا أهم بالخروج إلى المدرسة حاملًا أسفاري وهي تقول: (الله يقاك من العين)، عن أي عينٍ تتحدّث!»

وأعتقد أن العنوان ذكي وجذاب، يتناسب كثيراً وطبيعة التجربة (بكل تفاصيلها)؛ وعامية العنوان مقصودة، وفقاً لسير الأحداث في العمل.. خصوصاً أن العبارة (بلاك ما تعرف السويدي) عبارة بدوية جداً كما يدرك الجميع.. ولها دلالات معينة حسب سياقها: من مثل: ألا تعرف حي السويدي؟ أو مشكلتك أو (مصيبتك) أنك لا تعرف حي السويدي؟

اختيار الحي وما يمثله في المخيلة الجمعية، يسوق ما يسوقه حول كل ما يقال عنه، وكل ما هو متشكل عنه في الذهنية الجمعية (حقيقةً أو تهويلاً).. ويضع حنظلة (عنواناً فرعياً) على صفحة الحساب، (تغريدات سيرية)، وفي ذلك إشارة إلى نضوج وعيه بما يكتب؛ فحنظلة يدرك أن ما يكتبه يندرج تحت السيرة الذاتية، لكنها ليست سيرة ذاتية اعتيادية فيما يخص فنيتها، بل هي تغريدات كتبت من الأساس للنشر في موقع تويتر.. من هنا تكون عتبات النص وطبيعته الفنية (خصائصه البنيوية) متسقة مع شروط موقع تويتر وظروفه.. وقد جاءت لغة التغريدات سردية سهلة، مشحونة بأدبية جذابة وممتعة.. ليس بها تقريباً أي خطأ نحوي أو إملائي.. ويعتمد السرد كثيراً فيها على عنصري السخرية، والمفاجأة.. وهو سرد مباشر، دون تعقيد، أو استطراد.. ولعل من أبرز سمات اللغة السردية في العمل التخفّف من الحشو، ومن محاولات التبرير، أو أدوات الربط، حيث تعول كثيراً على جاذبيتها، وعلى طبيعة المنصة، وعلى طبيعة السرد الحديث، في إيصال الوظائف التي تؤديها أدوات الربط والتبرير والتعليل.. لاحظوا هذه التغريدة: «أذكر مرةً لحقني كلب، من شدة غضبه كاد أن ينطق ويشتمني وهو يركض خلفي! حينها لم تحملني رجلاي.. لقد جلستُ وأنا أشعر بالخزي، وقد عضني عضة أليمة».. ويقول في تغريدة أخرى ساخرة: «كنت أكره يوم الجمعة، كرهته لأنه يوم طويل، ولأن الذي يعقبه يوم السبت، لأنه يوم المشاوير، ولأنه عيد، والشياطين لا تحبذ الأعياد».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store