Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

قمـــائم!

A A
كانت خطبة الجمعة الماضية من فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس من الخطب الرائعة التي تحتاج وقفات تأمل...تحدث فيها عن أهمية الإعمار في الإسلام، وذكر فضيلته أيضاً مسؤوليتنا العظيمة نحو البيئة.. وتأكيداً لمكانة الخطبة وكونها رسالة مهمة موجهة للعالم، جاء فضيلته بأمثلة عن بعض الممارسات البيئية العالمية التي تحتاج إلى التقويم .. وأود أن أؤكد على بعض النواحي الخارجة عن المألوف وهي متعلقة بالنفايات بأشكالها وأنواعها المختلفة: المخلفات.. والمبعثرات.. والقمائم أعزكم الله. وبعض من أغربها لن تجدها على الأرض، وإنما في الفضاء الخارجي، فمنذ بدء أنشطة استكشاف الفضاء في أكتوبر 1957 بدأ العالم بفلسفة تكوين أغرب مزبلة حول كوكبنا.. وهي الأعلى والأسرع على الإطلاق.. والتعريف العالمي للفضاء الخارجي هو الارتفاع الذي يبدأ من مائة كيلو متر عن سطح البحر.. باستثناء الولايات المتحدة فتعريفها للفضاء الخارجي يبدأ من ارتفاع ثمانين كيلومتراً.. وتصل سرعات القمائم والكراكيب الفضائية إلى حوالي 28 ألف كيلومتر في الساعة.. ومكونات تلك "المزبلة" العجيبة تفوق المائة ألف قطعة وتشمل خزانات وقود مستهلكة، وقطعاً ميكانيكية مكسرة، وقطع سباكة، وأسلاكاً وقواطعَ، وأدوات كهرباء أخرى، ومتناثرات فضائية مختلفة وكأنها قصص تاريخية للعصور الفضائية المختلفة.. علم آثار الفضاء.

وننتقل من غرائب القمائم الفضائية إلى سطح وباطن الأرض في القمائم النووية.. وسأبدأ بالتأكيد على مصطلح النووية وليس الذرية "فالشغل" كله بداخل النواة.. أي أن الطاقة النووية الهائلة تكمن في التغيرات بداخل النواة، ولذا فهذا هو الاسم الأكثر دقة في وصف التغيرات سواء كانت ببطء وتحكم للحصول على الطاقة في المفاعلات المولدة للطاقة.. أو بسرعة ودراما كما هو الحال في الأسلحة النووية. ولمن يتأمل في برامج التعامل مع المخلفات النووية سيذهل بالتفاصيل.. بعض وحدات توليد الطاقة النووية (المفاعلات) تحتوي على كمية يورانيوم تفوق وزن أربعين سيارة لاند كروزر .. وبعد استخدام الوقود النووي يتم نقله إلى مناطق آمنة "لتبريده" والمقصود هنا هو تهدئة حالته لأن اليورانيوم يجن جنونه بداخل المفاعل، فيشع وتخرج منه طاقة رهيبة تستخدم في توليد الكهرباء.. وتتطلب تلك التهدئة فترات طويلة ثم يتم دفنه في أماكن آمنة مخصصة.. والطريف هنا أن المدى الزمني المستخدم من الجهات المتخصصة في تخزين "الزبالة" النووية يصل إلى عشرات آلاف السنوات لدرجة أن هناك بعض البحوث التي تجرى للتأكيد على سلامة اللغة التي سيتم وضعها على الأوعية الخاصة لتفهمها الأجيال القادمة بعد تلك الفترات الطويلة بمشيئة الرحمن.

وبالرغم من أهمية ما جاء أعلاه، فهناك ما يفوقه في الأهمية وهو المستوى الفردي، والأسري، والمجتمعي في التعامل مع النفايات.. أتذكر المنافسات البيئية بين الجيران في الحي الذي كنت أسكن فيه أيام إقامتي في الولايات المتحدة.. كنا نتنافس على تقليص كمية القمائم الخارجة من منازلنا.. الفائز كان هو من لديه أقل كمية قمامة للفرد.. وهنا تأتي المحاولات من خلال إعادة التدوير، وتقليص الفضلات الغذائية، وضغط ما يمكن ضغطه.. وتذكرت أهمية كل هذه التدابير عندما تشرفت بخدمة مدينتي الغالية جدة في مجلسها البلدي، وكان جزء من عملي الميداني فترات لا تنسى فوق تلال النفايات في أراضي مردمي النفايات القديم والجديد.

أمنيــــة..

مسؤوليتنا الفردية، والأسرية، والمجتمعية نحو إدارة النفايات التي ننتجها اليوم وكل يوم لا تقل أهمية عن التعامل مع المنظومة البيئية المتكاملة في كل مكان على الأرض، وفي البحر، والسماء.. أتمنى أن نقلص بصمة القمائم كماً ونوعاً فهي من المسئوليات المهمة التي كلفنا بها الله عز وجل.

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store