Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

"نسوية السايبورغ" : التكنولوجيا صديق المرأة... وسلاحها

A A
تحت عنوان (نسوية السايبورغ)، ظهر كتاب الباحثة والمترجمة الفلسطينية أماني أبو رحمة، عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر منتصف العام الماضي 2020م.. ويضم الكتاب عدداً من الأوراق والأبحاث التي تلخّص اهتمام الباحثة بالنسوية الاشتراكية/النقدية، من خلال ارتباطها بمشروع الأمريكية دونا هاراوي، رائدة الخطاب ما بعد الإنسانوي، وصاحبة بيان السايبورق الشهير (ترجمتْه أبو رحمة، وضمّنتْه فصولَ كتابها).. كما أن في الكتاب حديثاً عن التفكيك، وعن الحركات النسوية المختلفة، وعن قضايا أخرى ذات علاقة بالشأن النسوي.

«إلى الإنسان آفلاً..

ستتلاشى في الغسق القادم، فاقرأ على نفسك السلام».

هذا هو نصُّ إهداء الكتاب، وهو بيان أولي عن محتوى الكتاب وتوجهاته.. كما أن أبو رحمة تفتتح المقدمة بالقول: «كان التحدي الأساسي الذي واجهته النسويات على الدوام هو إثبات أن التماهي بين التكنولوجيا والرجولة ليس متأصلاً في الاختلاف الجنسي البيولوجي».. هذا الإثبات لم يبدأ إلا مع نسويات حقبة التسعينات اللاتي استطعن تجاوز النظرة التشاؤمية لمن سبقهن فيما يخص علاقة التكنولوجيا بالرجل، بوصفها أداة جديدةً لتكريس هيمنته.

والحق أن تطور تقنيات الاتصال والمعلوماتية يسهم في إلغاء الحدود، وتعزيز دور المرأة، وتحييد النظرة الجندرية؛ «ترى النسويات المنظّرات في مجال الإنترنت، على سبيل المثال، أن التقنيات الرقمية تطمس الحدود بين البشر والآلات، وبين الذكور والإناث، وتمكّن المستخدمين من اختيار هويات بديلة وافتراضية.. تميزت التكنولوجيا الصناعية بشخصية بطريركية، ولكن التقنيات الرقمية، القائمة على الدماغ بدلاً من العضلات، وعلى الشبكات بدلاً من التسلسل الهرمي، تبشر بعلاقة جديدة بين النساء والآلات».

وترى أماني أبورحمة أن دونا هاراوي أفضل مثالٍ على نغمة التفاؤل النسوية، من خلال بيانها الذي «نقل فكرة أن التكنولوجيا هي جزء منا جميعًا.. ولأنه جانب من هويتنا، وجانب من تجسيدنا، فإن تصور أنفسنا كسايبورغات يوفر أداة لتحويل التكنولوجيا للعلاقات الجندرية.. تلحظ هاراوي قوة العلوم والتكنولوجيا الهائلة في إنشاء معان جديدة وكيانات جديدة وعوالم جديدة».

تنظر أبو رحمة إلى دونا هاراوي بوصفها «مفكرة مميزة في مجال علاقات الحب والكره بين الإنسان والآلة».. وترى أن عالم القصص الصغيرة أثّر في شخصية وفكر هاراوي، ورسّخ لديها قدرة الخيال على تجاوز حدود العالم، ومن هنا كان انتقاؤها لنموذج السايبورق، الذي ورد سابقاً في أفلام الخيال العلمي، وكان -في بيان هاراوي- «مثالاً مثيراً للجدل عن الواقعية المجازية».

في مقدمة كتابها تصف هاراوي كيفية تحوّلها من نسوية اشتراكية أمريكية بيضاء (نموذجية) إلى سايبورق نسوي.. هذا السايبورق (الإنسان الآلي في حقيقته) يظهر في بيان هاراوي أداة مجازية أكثر من كونه وجوداً مجرداً.. وهذا ما تتنبه له أبو رحمة، حين تؤكد على توظيف هاراوي لاستراتيجيْ المجاز والتهكم الساخر في بيانها؛ حيث تسهم الأولى في مساعدتنا على اختراق الفئات، وإلغاء الحدود الفاصلة، فيما تفتح الثانية (المحاكاة الساخرة) «مساحات بينية» تمكّننا من اكتشاف أنماط جديدة للذاتية السياسية.

لا يتسع المجال هنا لرصد كل النقاط التي تناولها كتاب أماني أبو رحمة عن بيان السايبورغ، لكن يمكن النظر إلى البيان باعتباره محاولة من هاراوي لصنع «أسطورة سياسية جديدة للهوية» تنطلق من واقع النساء في عصر ما بعد الحداثة، أسطورةٍ تتجاوز أنظمة الهيمنة والقمع، وتتفاعل بإيجابية مع تغيرات الحياة. «بالنسبة لهاراوي فإن النموذج الذي يوفر إمكانية لاحتواء (الذات الجماعية والشخصية ما بعد الحداثية) هو السايبورغ، المجاز الذي يفتح مجال المقاومة: (السايبورغ هو مادة الخيال والخبرة المعاشة الذي غيّر ما يعتبر خبرة النساء في أواخر القرن العشرين.. إنه صراع موت أو حياة، ولكن الحدود بين الخيال العلمي والواقع الاجتماعي هي مجرد وهم). إن إصرار هاراوي على الحاجة إلى (مجاز جديد) مدعومٌ بتوضيحها للتغييرات الفعلية في حياة النساء في فترة ما بعد الحداثة». يوفر كتاب أبو رحمة مادة مهمة وثرية لمن يريد أن يقف على آخر تطورات -وإنجازات- الخطاب النسوي العالمي بمختلف اتجاهاته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store