Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الفكر الآخر المُختلف

A A
يكمن التقدّم الحقيقي للمجتمعات، في حرّية التعبير واحتواءِ الاختلاف في الرأي، وانفتاح الذّهن على الثقافات الأخرى دون حرج أو تسلّط أو خوف.. ففي محاولاته للتحرّر الفكري والإبداع الحضاري، يجبُ على الإنسان أن يقرأ لمن قد يخالفونَه الرأي والمعتقد والثقافةَ والفكر، ولا يكتفي بالاطلاعِ على ما يتوافقُ مع توجّهاته الفكرية والثقافية والعقَدية فحسْب.. لكن، في بعض المجتمعات، الاختلاف في الرأي يُفسد الود والقضية معًا!! فالبيئة الفكريةُ الثقافية المعرفيةُ والأخلاقية غير ناضجةٍ بما فيه الكفاية، للسّماح بأيّ رفاهية فكرية.

واسمع يا عزيزي: إنّ رفضك التام مناقشة انطباعاتك الشّخصية وحتى مسلّماتك الفكرية والعقدية، لا يعني أنها بمنأى عن الانتقاد والشكّ والخطأ والتفنيد.. بل، حتى لو اتفق كلُّ الناس معك في الرأي، ما تزالُ هناك فرصةٌ جيدة لأن تكونوا جميعًا على خطأ!! فمعظم الآراء الشخصية مجرّد آراء عاطفيةٍ انفعاليةٍ غيرِ موضوعيّة، وليست نتاج دراساتٍ علمية فكرية أو تأمّلية.. يقول فيلسوف المنطق الدكتور (برتراند راسل): «في الواقع، في ظلّ النظرة القائلةِ بسخافة الغالبيّة العُظمى من الجنس البشري، الرأيُ المقبول على نطاقٍ واسع، مرجّح أكثر ليكون رأياً أحمق وليس معقولاً».

وقد درجت المجتمعات الرّجعية الأُحادية، على فرضِ ثقافة الرأي الأوحد، واحتكار الحقّ والحقيقة، ورفض التباين والتعدّدية، وهي بذلك تُجرّم مُحاولات الخروجِ عن القطيع، وتواجه محاولاتِ التفكير المُنفتح بعدائيةٍ وتعنيف وتحقير، أو حتى تكفير.. وللظهور بمظهر المتفوّق المتأكّد من الحقيقة، لا يناقشُ أحدهم الفكرةَ ولا يتناول الرأي نفسه، بل يقدحُ في صاحبها ويتهكّم عليه ويحاول النيلَ من سمعته أو مظهره، أو كما هو متّبع، يُزايد على دينه وأخلاقه أو وطنيّته، في وسيلةٍ لتأليب الآخرين عليه.

وعموماً، فإنّ كلّ رأيٍ ومعتقَد يتمّ تفحّصه ومناقشته، قد يبدأ بالضّعف، ولا ينجو من التشكيك والانتقاد أو الرّفض، لذلك يحاول بعضُ أصحاب الآراء والاعتقادات إبعادَها عن دائرة النقاش والنقد، خوفاً من اهتزازها في نفوسهم أو نفوسِ أتباعهم، ولهذا أيضاً، يُحارب بعضهم علوم الفلسفة، فهي تدعو للشكّ في الثقافاتِ السائدة، وتكريسِ التفكير الحرّ ومناقشة جميع الرؤى، وطرحِ التساؤلات المُزعجة، وعدم تقديس الأشخاص مهما بلغت أهمّيتهم وعلمهم ومعرفتهم.. يقول أبو الفلسفة الحديثة (رينيه ديكارت): «لكي يتوصّل المرء إلى الحقيقة، ينبغي عليه مرة واحدة في حياته، أن يتخلّص نهائيًا من كل الآراء الشائعة التي تربّى عليها وتلقّاها من محيطِه، ويعيدَ بناء أفكاره بشكلٍ جذريّ من الأساس».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة