Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

حديث ذكريات قلب

A A
يخفق القلب بسرعات متفاوتة حسب الحالة النفسية التي نعيشها في تلك اللحظات الحميمية، ونردد بعض الكلمات التي تتعلق بهذا العضو ولا نعي معناها الدقيق عندما نتلفظ بها فنقول (لا توجع قلبي - لا تعور قلبي) وهناك مؤخرًا سمعت بمسمى عجيب لأحد المشروبات المبتكرة في عالم العصيرات، ودخل عالم قوائم الطلبات اسمه (عوار قلب)!!. ولكن هل توقفنا عن ماذا يعني لنا هذا القلب؟ هل هو فقط العضو المسؤول عن تدفق الدماء لكل عضو من أعضاء الجسم وكما كنا ندرس تفاصيل مكوناته في حصة العلوم من البطينين والأذينين الأيمن والأيسر؟ كنا نستغرق حصصًا تلو الأخرى لنكمل تلك الرسمة التي كانت تبدع فيها معلمة الأحياء على السبورة باللونين الأزرق والأحمر.. علمتني معلمة الأحياء سهير الدقة في الرسم والتلوين وكتابة الخط العربي بحرفية عالية، واستشعر في هذه اللحظة خفقات قلب تلك الطالبة المحبة لمعلمتها التي كانت تستثمر أوقات حصص الانتظار لتحضر أدوات الخط العربي فتعلمنا ما كنا نحبه ونعشقه ومازلت لهذا العشق أحيا به ومعه. هذه العضلة التي تنبض بالحياة ونحن أجنة في بطون أمهاتنا منذ أن قدر الله لنا حياتنا الدنيا ومن ثم تستمر ما شاء الله لها حتى يحين الأجل فتتوقف نبضات هذا القلب بأمر إلهي لا علاقة للبشر به. كان ذلك اليوم الأصعب في حياتي كلها الذي شهدت توقف قلب أمي -رحمها الله- أعز وأغلى الناس وبدون مقدمات، ستبقى خالدة في ذاكرتي حتى آخر لحظة أغادر فيها الدنيا، اليوم الذي فقدت فيه توازني العقلي للحظات تمنيت أن يأخذ الله من عمري ليعطيها عمرًا ويعيد قلبها العامر بالحب للحياة، واستدركتني حينها العناية الإلهية بقدر من الإيمان بأن لكل أجل كتاب فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. بعد حين من الزمن استحضرت من ذاكرتي حديثك معي عن القلب الموجوع وأن الرحيل قد حان قبل شهور من وفاتك وتيقنت بعدها أن المؤمنين يشعرون بدنو مفارقتهم للحياة ويرون ما لا نرى ويسمعون ما لا نسمع وهم مقبلون على حياة البرزخ لا نعرف كنها ولا ماهيتها ونحن على قيد الحياة. القلب يتحكم في مشاعرنا وطريقة تفكيرنا ومواجهتنا للحياة في كل موقف نتعرض له، وله معنا حكايات وقصص تروى، يخفق بالحب تارة وبالألم تارات وبالخوف أحيانًا أخرى، وفي كل انفعالاتنا وتفاصيل حياتنا له دور كبير. كم تعاني القلوب حين فقد الأحبة وحين غدرهم وحين خذلانهم لنا، معاناة لا يعلم بها إلا رب القلوب، وكم نفرح حينما تطرز الأيام والليالي قصص الأفراح والمناسبات السعيدة ترقص قلوبنا فرحًا وتستبشر بقدوم الخير مع ذلك المولود الجديد والمسافر البعيد ونجاح الابن في دراسته وعودة الغائب وشفاء المريض وزواج الأحباب ونتشارك هذه اللحظات وتغمرنا السعادة، وفي أحيان كثيرة لا تحتمل هذه القلوب قوة الانفعال بالفرح الشديد كما لا تحتمل قوة الألم في الحزن العميق فتتوقف عن العمل بشكل طبيعي وتصاب بالعلل والجلطات أو السكتات. حافظوا على قلوبكم وعيشوا لحظات الحب والسعادة والفرح بهدوء وسكينة وتقبلوا الألم والحزن بإيمان عميق بأن رب القلوب لن يتركنا نعاني وحدنا سوف يكون سبحانه وتعالى معنا هو طبيبنا وهو خالقنا من يحبنا ونحبه حتى إذا امتلأ القلب حبًا لله وكان عامرًا به لن تضره حوادث ونوائب الدهر مهما بلغت في قسوتها علينا. اللهم اجعل قلوبنا عامرة بحبك حتى لا نحب أحدًا كحبنا لك، واللهم أجبر قلوبنا على فراق أحبتنا وأجمعنا بهم في مستقر رحمتك، وآنس حياتنا بقرب من نحب وأغلى من نحب وأحفظهم لنا من كل سوء فقلوبنا معلقة بهم وبجمال اللحظات التي نقضيها بين أيديهم ومعهم. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واصلاف قلوبنا الى طاعتك واجعلنا أغنى خلقك بك... كم أحبك يا الله.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store