على الرّغم من أنّ فترة الأعياد والإجازات المصاحبة لها مناسبات للاحتفال ونشر البهجة ولمّ الشمل، إلا أن تلك الأوقات يمكن أن ترتبط بانعكاسات مضادّة ومشاعر حزينة وأعراض إحباط واكتئاب، حيث تشير تقارير إلى ارتفاعٍ في نسبة الإصابة بأعراض الاكتئاب بزيادة (10%) خلال فترة الأعياد (اكتئاب العيد) لأسباب منها: كثافة التواصل بين أفراد العائلة مع ما يحمله من ضغوطات اجتماعية غير معتادة، واجتماع أفرادها بشكل روتيني أو ضد رغبات بعضهم لتفادي الانتقاد والإحراج، إضافة إلى ازدياد الضغوطات الماليّة لمحاولة الحفاظ على التقاليد المتّبعة اجتماعيًا وثقافيًا، وتنامي الشعور بالوحدة لدى بعضهم، فضلا عن تداعي معاني الذكريات والحنين لأفراد العائلة المتغيّبين والمتوفّين.
ويتعرّض الأشخاص المصابون باضطراباتٍ نفسية كالقلق والتوتّر، إلى خطر تفاقم أعراضها خلال (العيد) ومواسم الإجازات، كما يمكن لمن يعاني من اضطرابات مزمنة في النوم كالأرق، أن يلاحظ تدهوراً في طبيعة النوم واختلالاً في نمط الساعة الحيوية.. وتتداخل أعراض اكتئاب أشهر الصيف بطقسها الحار ورطوبتها العالية، مع أعراض اكتئاب موسم الأعياد، وقد تكون جميعها نتاج اضطرابات العاطفة الموسمية أو ما يعرف باسم (ساد)، وهي ترتبط بمرض الاكتئاب وتستدعي اهتمامًا طبيًا للتشخيص والعلاج.
وأعود هنا للتركيز على العبء النفسي والاجتماعي الذي يلقي بثقله على كاهل كثير من المحتقنين نفسياً، ومن يكابدون مشاقّ اضطرابات المزاج، ويتعرّضون لضغوطات عائلية شديدة، ناهيك عن مرورهم بأزمات مادية صعبة خلال هذه الفترات.. كما ترتبط تلك المواسم السعيدة لدى بعض الناس بحوادث أليمة أو خبرات سيئة، تُعيد إلى لا وعيهم ذكريات مؤلمة كوفاة حبيب أو قريب، مما يزيد من أحزانهم ويقوّض محاولات استمتاعهم بأيّ مشاركة اجتماعية.
ما تقدّم محاولة مني لتوضيح بعض أسباب المشاعر الغريبة أو المُستهجنة، وتفسير ما يعتمل في نفوس بعض الناس من انفعالات سيّئة تبدو لهم غير مفهومة ولا منطقية، لأقول لهم: لستم وحدكم، فإذا كنتم تعانون من خمولٍ وملل وإرهاق وتوتّر، وصعوبة تركيز، وحزنٍ ورغبة في الاعتزال، وصعوبة نفسية بالغة في التواصل الإنساني، واضطرابات نوم خلال مواسم الأعياد أو غيرها من الأوقات، فتلك أعراضٌ منتشرة، ويمكن التعامل معها والتخلّص من حرجها بالتحدّث مع المتخصصين، والاطلاع على تفاصيلها في مراجع صحية معتمدة، واتخاذ إجراءات لتحسين نمط الحياة وتجربة العلاج المعرفي السلوكي، إضافة إلى تناول مضادات التوتر والاكتئاب بحسب وصف الطبيب المختص.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
