Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

رسائل مزعجة

A A
من المعلوم انفجارُ نسبةِ الأفراد الذين يتوفّر لديهم الدخولُ لعالمِ «الإنترنت» من أبوابه المعلوماتية الواسعة، وآلتهِ التقنية الجبّارة، بسهولةٍ غيرِ مسبوقة، ويتحصّلون على رفاهية اقتنائهم الهواتف الذكية بأسعارٍ تنافسيّة، ويعتمدون في التحكّم بجميعِ أعمالهم الإداريةِ ومهمّاتهم الوظيفيةِ ونشاطاتهم الترفيهيةِ على تطبيقاتٍ لا يُمكن الاستغناء عنها.

ومع الوفرةِ التّقنية والقفزةِ المعلوماتية، يتعرّض أحدُهم إلى سيلٍ جارفٍ من رسائل نصيّةٍ وصوتيةٍ ومتعدّدة الوسائط، تفيض بأخبار عاجلةٍ وغير عاجلة، غثّةٍ وسمينة، وإشاعاتٍ وفضائح، ودعاباتٍ وسخافات، وأدعيةٍ وأذكار، وتهنئاتٍ ومُعايدات، وموضوعاتٍ ومكذوبات، تقتحم جميعُها نطاقَ الخصوصيّة النفسية وتنتهكُ حرمة الوقت والمزاج، من دون رادعٍ من ذوقٍ سليم، ولا زاجرٍ من إحساسٍ بالخجل.

فبعضُهم لا يتحرّج من إرسالِ رسائل «واتساب» حين يشعرُ بالملل أو الحماسِ أو الرغبةِ في أن «يُطقطق» بأريحية ورفاهية، دون مراعاةٍ لعامل التوقيت أو حالةِ المزاج أو الخصوصيةِ الفردية للمُتلقّي لمجرّد أن حالته تُظهر «مُتّصلٌ الآن»!، أما بعضُهم فيحرصُ على التواصلِ بوسائط متعدّدة تحوي دعواتٍ بصباحٍ سعيد ومساءٍ بهيج، بصورةٍ يومية متكرّرة، لأكبر عددٍ من قائمة «أصدقائه»، وهو ليس بينه وبينهم أيّ علاقة متينة تسمحُ له بذلك التجاوز الفجّ، لكنّه يرى في ذلك نشراً للخير الوفير والأجرِ الكبير، ودعماً للعلمِ والمعرفة، ولا أدري، لعلّه كذلك!.

أرى أنّ انتشار ما يمكن تسميته «بالتديّن الإلكتروني «، يرجع أساساً إلى أنّ مشاركة بعضهم الافتراضية، تعفيهم نفسياً من تأنيبِ الضمير، وتمنحُهم اطمئناناً عاطفياً بأنهم مُلتزمون دينياً، قائمون بواجباتهم الشرعية والدّعوية تجاه غيرهم، وقد تغطّي على سلوكياتٍ مُتناقضة كثيرةٍ لديهم، وبهذا يروْن في التديّن الإليكتروني طقوساً ضرورية.. ولا يعني ذلك وقوعهم في مأزقِ النفاق الدّيني بالضرورة، بل يبدو أنّ لديهم احتياجاً نفسيّا اجتماعياً للشعور بأنّ كلّ شيء جيّد ويسيرُ على ما يُرام!.

ومع إفرازات المُتغيّرات الاجتماعيةِ السّريعة والتطوّر التقني المُدهش، تحوّل إرسالُ الرسائل الأثيريةِ الفورية -على أهمّيتها- إلى عادةٍ مُزعجة يصعب التحكّم بها وصدّها وتقنينها، إلا عن طريقِ الحظر الفوري، إضافة إلى نشرِ ثقافة الذوقِ العام واحترامِ الخصوصيّة الفرديّة، والاهتمام بالتربيةِ السليمة والتعليمِ الهادف وضبطِ السّلوك الاجتماعي، لمحاولةِ الحدّ من تناقض المعاييرِ النفسية وتشظّي الشخصيةِ الاجتماعية، وهي أمورٌ تستدعي وقتاً طويلاً وجهداً فائقاً، وبالله التوفيق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة