Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الزواج ليس علاجاً للمجانين!!

A A
جرائم مفجعة تناولت الصحف اليومية تفاصيلها خلال الفترة الماضية تفيد بمصرع سيدة في مكة المكرمة على يد زوجها بعد أن أنزلها من سيارته وضربها بحجر على رأسها قبل أن يقوم بدهسها، ومقتل أخرى ذبحاً بسكين زوجها وإصابة طفلها. مما أثار استنكاراً واسعاً وسخطاً شديداً وسط المجتمع بسبب بشاعتهما، مما دفع الجهات المختصة للتحرك بالسرعة المطلوبة لاستجلاء الحقائق ومعرفة الدوافع.

وعلى الرغم من أن تلك الجرائم لا يصح أن تكون مقياساً للحكم على مجتمعنا المسالم الذي عرف على الدوام بتقديس أفراده للحياة الزوجية، وحسن المعاملة والتقيد بالهدي الإسلامي الأصيل، إلا أنها لا ينبغي أن تمر بدون تسليط الضوء على التغيرات التي تشهدها حياتنا العائلية، نتيجة لتكاثر القنوات الفضائية التي تطرق أبوابنا وتدخل غرف نومنا بدون استئذان، وتفشي استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة التي لا يكاد يخلو منها منزل.

هناك الكثير من العائلات التي تلجأ لتزويج أبنائها الطائشين، على أمل أن يعدّل الزواج من سلوكهم ويدفعهم إلى طريق الرشاد، وانتشرت مقوله (زوجوه لعله يعقل) بكثرة حتى باتت كأنها مثل شعبي شائع. وعند النظر إلى مفردات تلك المقولة نكتشف الخطر الذي يكمن خلف سطورها، فالزواج يبدو للوهلة الأولى وكأنه أصبح علاجاً للمجانين، أو أن بناتنا تحولن إلى حقل تجارب لكل طائش عجز أهله عن تقويم سلوكه.

بسبب ارتفاع نسبة الطلاق ارتفعت أصوات البعض بإدراج فحص المخدرات ضمن الفحوصات التي يُلزم المقبلون على الزواج بالقيام بها. وعلى الرغم من عدم إقرار تلك المناشدات ووضعها موضع التنفيذ، إلا أن المنطق يفرض على أولياء الأمور عدم التسرع في تزويج بناتهم بناء على مظاهر خداعة، والتمسك بالبحث عن أصحاب الدين والخلق الذين يستحقون أن نستودعهم دررنا الغاليات.

عند النظر في أسباب تهور واستهتار بعض الشباب يؤكد كثير من المختصين التربويين أن السبب الرئيسي يعود بالأساس إلى التدليل الزائد الذي وجدوه في الصغر من والديهم، للدرجة التي لم يعودوا قادرين معها على تحمل المسؤولية أو الشعور بها. بل إن كثيراً من الشباب يتزوجون دون أن يكون لهم مصدر دخل ثابت، فالآباء هم الذين يتحملون تكاليف الزواج كاملة. لذلك فإن هؤلاء لا يتورعون في اللجوء للطلاق لأنهم لم يعرفوا قيمة الأموال التي صرفت عليهم في الزواج.

ومع التسليم بأن مساعدة الآباء لأبنائهم في تحمل مصاريف الزواج أمر عادي، إلا أن تلك المساعدة لا ينبغي أن تصل إلى حد التكفل الكامل بكل المنصرفات، بل لا يجب أن تتعدى نسبة معقولة منها، وهذه ليست دعوة للبخل، بل محاولة لتمليكهم فضيلة الإحساس بالمسؤولية وحثهم على القيام بواجباتهم.

ولا بد من مراعاة أن الفتاة عندما تتزوج فإنها تريد رجلاً تجد عنده السند والعون، وتعتمد عليه في تصريف شؤون حياتها، وتظل تحلم طوال حياتها بذلك اليوم الذي يرزقها فيه الله بفارس أحلامها الممتلئ رجولة وشهامة، لتفاجأ في أجمل أيام حياتها بأنها مطالبة بتقويم سلوك شخص عجز أهله عن تهذيبه، وأنها أصبحت تتولى بصورة كاملة مسؤولية بيتها، بينما رب الأسرة ليس إلا ضيف شرف، يقضي معظم أوقاته في الخارج ويتعامل مع البيت على أنه فندق للراحة والاستجمام.

النظام الاجتماعي في الإسلام يقوم على أساس الأسرة التي هي النواة الرئيسية، لذلك وضع نظاماً دقيقاً حدد فيه حقوق وواجبات الرجل والمرأة، ولم يضع الزواج على أنه حل لمشكلات الشباب النفسية أو السلوكية، بل اشترط صلاح الدين والخلق في من يتقدم لخطبة الفتاة، فقد قال عليه الصلاة والسلام (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه). لذلك فإن المرأة ليست معنية ولا مكلفة بتقويم اعوجاج زوجها أو تعديل سلوكه.

الزواج يا سادة مؤسسة تقوم على المودة والرحمة مصداقاً لقوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وهذا لا يتأتى بطبيعة الحال إلا إذا كان رب البيت والشخص المسؤول عن هذه المؤسسة مدركاً لواجباته وقادراً على القيام بها حتى لا تتعرض إلى التفكك والانهيار. فالواجب والمنطق يفترضان أن لا تقدم العائلات على تزويج أبنائها قبل أن يكونوا على قدر هذه المسؤولية العظيمة، بل إن المقولة السابقة يجب أن يتم عكسها لتصبح (عقلوه ثم زوجوه).

(بنات الناس) كما يقولون ليسن لعبة في أيدي الغير، وهن أمانة كلفنا الله بإحسان معاملتهن وتربيتهن، بل إن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قال إن من عال ثلاث بنات فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن دخل الجنة. أما الباحثون عن تقويم سلوك أبنائهم وتصحيح تصرفاتهم الطائشة فإن عليهم البحث عن أي وسيلة أخرى لتدارك تفريطهم وأخطائهم بأي طريقة أخرى.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store