Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

هل يمكن الحصول على السعادة؟!

A A
يبدو لي أنّ مدى التوقعات ومستوى الرّضا، لهما علاقة مباشرة بالشعور بالسّعادة، ولعلّ هذا ما يفسّر انتشار مشاعر القلق والخوف لدى كثير من الناس، متأثرين بأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية مُتداخلة، فالمعضلة لها علاقة وثيقة بتوقّع الإنسان حصوله على مزيدٍ من المُكتسبات، وطموحه المبالغ فيه للاستحواذ على قدْر أكبر من المُمتلكات المادّية والعينية التي يراها من حقّه، وهي في الحقيقة مجرّد امتيازات، لا استحقاقات.

للطبيب والمؤرّخ (غوستاف لوبون) قولٌ توقّفتُ عنده كثيراً: «العلمُ وعدَنا باكتشاف الحقيقة، ولكنّه لم يعدْنا أبداً بتحقيق السّعادة أو السّلام، فهو لا يبالي بعواطفنا، ولا يسمع نواحنا وتأوّهاتها، ولا شيء قادرٌ على إعادة الأوهام التي حطّمها».. أليس هذا ما يحدث حقّا في العصر التقني الحديث؟!.

إنّ العالمَ ليس مكاناً لمقايضة السّعادة، فلا تتخيّل أنّ من الممكن للحياة أن تعطيك وصفةً جاهزة للسّعادة والبهجة لمجرّد أنك إنسانٌ طيّب!، لكنّ لدى (أرسطو) رأيًا مهمًا، فهو يقرّر أن فضيلة التأمّل، هي الفضيلة العُظمى، والتي تحقق للإنسان الفاضل أقصى درجاتِ السّعادة والحريّة.

ترتبط السّعادةُ وانضباطُ المزاج والشعورُ بالنشوة والرضا، بهرموناتٍ وناقلاتٍ عصبية، يمكن إثارتها والتحكّم فيها عن طريق الكيمياء الحيوية والعلاجاتِ الدوائية، وبالتالي، يمكن اكتسابُ قدْرٍ جيّد من مشاعر السّعادة عن طريق تعديلِ نمطِ الحياة وأسلوبِ التفكير، وإثارةِ مركز المكافأة في المخ بمزيدٍ من المال والرّفاهية، بالإضافة إلى تناول مضادات الاكتئاب!.

ومن المهمّ معرفة أنّ السّعادة في غالبها ظروفٌ اجتماعية تختلفُ من شخصٍ لآخر، وهي ليستْ نتاجَ اختياراته في معظمها، بل نتيجةَ وجودِه في مكانٍ معيّن في وقت معيّن وتعرّضه لعُقد نفسية وتربيةٍ اجتماعية، وهي تعتمدُ على مدى حصوله على حظواتٍ مادّية ودعمٍ اقتصادي نفسي.

يُرشدنا الفيلسوف (شوبنهاور) إلى أفضل السّبل أماناً لكيلا تشعرَ بالحزن الشديد، وهي: «ألّا تتوقّع أن تكون في غاية السّعادة».. وأخيراً، أرى أن «البلاهة» من عوامل الشعور بالرّضا والسّعادة، وأن السّذاجة والبلادة وقلّة الوعي والاهتمام، يمكن أن تُكافئ الإنسانَ بقدْر جيّد من الطمأنينة النّفسية.. وبالمُختصر، لن يمكنك القبضُ على لحظاتِ السّعادة العابرةِ والإمساك بها لفترةٍ طويلة، ستفلت من بين يديكَ لا محالة، إنّها ومضاتٌ خاطفة، لكنها مُتتابعة مُتكرّرة متباعدةٌ أو متقاربة، إن مضتْ إحداها، فارتقب أخرى قادمةً بنوع وطعمٍ مختلفين، وجميعها مؤقّتة عابرة لا تستقر.. السّعادة لا تدوم، تلك هي الحقيقة الهزلية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة