Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

أول معرض كتاب عرفته

A A
يعود أول عهدي لي بشراء الكتب عندما كنت صغيرًا في نهاية المرحلة الابتدائية وبداية المتوسطة حيث كنت خارجًا من الحرم النبوي الشريف من باب السلام متجهًا في طريقي إلى شارع العينية فعند القرب من نهاية الشارع حيث يتقاطع مع سوق البرسيم كانت هناك بسطة مفروشة على الأرض تعرض مجموعة من الكتب الـ secondhand أي المستخدمة وهذه البسطة تمثل عندي أول معرض كتاب مر عليّ في حياتي وكان البائع رجل بسيط يبحث عن رزقه ورزق أولاده من هذا المعرض البسيط والمتنوع في طرحه ما بين كتب دينية وأدبية وتربوية، وهناك جناح للقصص وجناح آخر للمجلات التي كانت تصدر في تلك الأيام فاشتريت منه كتابًا صغيرًا بأربعة قروش ولازلت أتذكر اسم ذلك الكتاب (شهداء الإسلام في عهد النبوة) لمؤلفه سامي نشار وكان ممزق الغلاف لأن بعض ما يعرض في هذا المعرض يكون في حالة غير جيدة خاصة المجلات فقد يكون بعضها منزوع الغلاف والصفحة الأولى أو الثانية غير موجودة وبعض من ليس له قدرة على الشراء يمكن يقرأ في نفس المكان، طبعًا ليس هناك كراسي إنما على الواقف وأحيانًا يحن البائع على المتفرج فيسمح له بأخذ المجلة يوم وليلة على أن يعيدها وهذا نظام الإعارة في المعرض، وهنا نتحدث عن من لا يستطيع الذهاب إلى المكتبات التي تبيع الكتب الجديدة لقلة ذات اليد وأنا واحد منهم وعندما فتح الله عليّ أصبحت أشتري كل جديد من المكتبات أو معارض الكتاب الحديثة والتي تطورت اليوم وأصبح العرض فيها لملايين الكتب في مكان واحد وتحت مظلة واحدة كما هو حاصل الآن في الرياض.

كما دخل الكتاب عالم الإلكترونيات والتقنيات الحديثة التي أصبحت اليوم تغطي مساحة من العرض في بعض معارض الكتاب العالمية والملاحظ أن الكتب الإلكترونية أصبحت قاطعة طريق على قراءة الكتب الورقية مما يجعلني أظن وبعض الظن إثم أن قراءة الكتب الورقية في طريقها للغياب وقد سألت ذات يوم بعض الأصدقاء ممن اشترى كتبًا في أعوام ماضية من معرض الكتاب هل قرأتم منها شيئًا فمعظمهم أجاب: (على حطة يدك لا نعرف منها سوى العنوان والمؤلف فالتواصل الإلكتروني استهلك معظم وقتنا مع انشغالنا في وظائفنا وأهلينا).

فهل ظاهرة معرض الكتاب اليوم ظاهرة حقيقية للقراءة الورقية ومؤشر حيوي للثقافة الفردية أم هي كحال الصحف الورقية التي أعلنت دخولها في غرفة العناية المركزة؟ هذا سؤال يجب العناية به وسؤال آخر هل جيل السناب شات والفيس بوك وتويتر والانستجرام واليوتيوب لديهم وقت لقراءة الكتب الورقية؟

إن من يريد أن يتابع اليوم فعليه بالتواصل الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا فإن معارض الكتاب أصبحت اليوم ظاهرة شرائية فقط ووجاهة ثقافية وفرحة للمؤلف وإدخال السرور عليه بتوقيعه على الكتاب، إن هناك فرقًا كبيرًا بين شراء الكتب وقراءة الكتب فالجيل الجديد وحتى ما قبل الجيل الجديد يعانون من «سندروم» العزوف عن القراءة فبيع الملايين من الكتاب الفلاني قد تكون مبيعاته إلكترونيًا لكن ورقيًا فأنا عندي شك في ذلك إلا أن يكون الوضع هو الشراء لكن القراءة لا أظن ذلك، والشيء الآخر الذي يدل على عدم الإقبال على الكتب الورقية هو أن الناشر لا يمكن أن يتبنى طباعة أي كتاب غير الكتاب الذي يقرر في الجامعات لأنه منهجي، وهناك البعض من دور النشر مازالت تقوم بطباعة الكتب وتتورط بعد ذلك في توزيع وبيع ما طبعته، والسبب كما ذكرت هو أن البيع الإلكتروني للكتاب في توسع على حساب الكتاب الورقي ولاشك أن هناك فئة قليلة جدًا لا تزال ترتمي في أحضان الكتب الورقية وتطرب عند قراءتها.

أعود للبسطة وأول معرض للكتاب بالنسبة لي وأتأمل جيلاً كاملاً من أسماء المؤلفين والكتاب الذين كان معظمهم في تلك الأيام من لبنان ومصر والعالم العربي وبعضًا من مثقفي وطننا الغالي وكذا الشغف الذي كان يملأ القلوب حبًا للقراءة والحرص عليها وشخصيًا كنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب مما مكنني بفضل الله أن أكتب في مجالات متعددة ويبقى ما بين معرضي البسيط للكتاب ومعرض الكتاب اليوم عزف الحنين لأيام مضت لو هي بأيدينا ما تروح وعمر انقضى بين الأماني والجروح.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store