Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

هكذا فقط نهزم الدواعش

A A
فيما يمضي العالم بخطى متسارعة لاجتثاث تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه بصورة تامة، بعد الضربات المتتالية التي تلقاها التنظيم، والتي أسهمت في تحجيمه ودفع عناصره إلى التواري في جحورهم المظلمة، نطالع بين الحين والآخر نبأ إلقاء القبض على بعض عناصر التنظيم الإرهابي وهم يتأهبون لتنفيذ هجمات وشيكة، كما تابعنا خلال الفترة الماضية في السودان وتونس والمغرب والعراق وليبيا، مما أوجد حالة من التشويش في أذهان البعض عن حقيقة ذلك الكيان الإرهابي وما إذا كان العالم قد نجح فعلاً في هزيمته.

بدءاً ينبغي طمأنة الجميع بأن التنظيم المتطرف في طريقه إلى الزوال بصورة نهائية، لكن ذلك سوف يستغرق بطبيعة الحال وقتاً طويلاً لأسباب عديدة في مقدمتها أن الدواعش وإن كانوا قد فقدوا دولتهم المزعومة في العراق والشام تحت ضربات التحالف الدولي، واضطروا إلى التفرق في دول العالم المختلفة، إلا أنهم لجأوا إلى أسلوب الذئاب المنفردة الذي لا يتطلب إشرافا مركزياً أو تنظيماً للعمليات الإرهابية، فكل فرد في التنظيم بإمكانه تنفيذ الهجوم منفرداً أو بمشاركة مجموعة قليلة، وهو ما يصعب مسؤولية الأجهزة الأمنية في تتبعهم والقضاء عليهم بشكل نهائي.

كما أن هناك كثيراً ممن يعتنقون هذا الفكر الإرهابي ويؤمنون به، دون أن تبدو عليهم علامات ذلك، لأنهم لم يرتبطوا تنظيمياً بالكيان، بل كانوا يتولون تقديم مساعدات لوجستية لعناصره من خلف الكواليس، وقد يلجأ هؤلاء أحيانا إلى القيام بتنفيذ بعض الهجمات، وفي غالبية هذه الأحوال ينجحون في مساعيهم لأنهم يكونون في منأى عن أعين الجهات الأمنية لعدم وجود سوابق لهم أو علامات تشير إلى ارتباطهم بجماعات الإرهاب.

ولا بد في هذه السانحة من الإشادة بالنجاح الكبير الذي حققته المملكة في القضاء على تنظيم داعش، بسبب الاستراتيجية العلمية الواضحة التي اتبعتها، والتي تقوم على المزامنة ما بين الجهود الأمنية اليقظة والعمل الفكري المكثف. وذلك لقناعة حقيقية بأن الأفكار الضالة لا يمكن مقاومتها ومواجهتها إلا بأفكار مماثلة، وأن العمل الأمني وحده لا يكفي لاقتلاع الإرهاب ما لم يكن مصحوبا بجهد فكري يركز على تفنيد الأوهام التي تعشش في أذهان العامة والبسطاء من الذين تورطوا بالانتماء لتلك التنظيمات الإرهابية. لتحقيق ذلك الهدف تفتقت العقلية السعودية عن فكرة صائبة هي إنشاء مراكز للمناصحات والمراجعات الدينية والفكرية، شارك فيها عدد كبير من العلماء الموثوقين، والمختصين النفسيين والمثقفين وعلماء الاجتماع، حيث تولى هؤلاء مناظرة الإرهابيين الذين تورطوا بالانتماء إلى كيانات الإرهاب، تولوا فيها مهمة تصحيح الحقائق والمعلومات، وتفنيد الأكاذيب والترهات، بأدلة ساطعة مستمدة من الكتاب والسنة.

لم تكن تلك المهمة سهلة وميسورة كما يظن البعض، فأولئك العلماء الأفاضل تعرضوا لسيل من الهجوم والانتقادات من أولئك الشباب المخدوعين الذين اتهموهم بأنهم علماء سلطان وغير ذلك من الأوهام والترهات التي زرعها في رؤوسهم شيوخ الفتنة والضلال، لكنهم تقبلوا ذلك الهجوم بصدر رحب، واستعانوا بالصبر، وتسلحوا بالإيمان بربهم وعقيدتهم والرغبة في ضمان سلامة أمتهم وبلادهم حتى استطاعوا إرجاع معظم المخدوعين إلى جادة الطريق، وأعادوا دمجهم في مجتمعهم مواطنين صالحين.

كذلك أدركت السعودية أن القضاء المبرم على مجاميع التطرف لن يتأتى إلا بمجهود جماعي يتم فيه التركيز على تبادل الخبرات وتمرير المعلومات وتنسيق العمل المشترك، وهو ما دفعها إلى إنشاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، لتنظيم الجهود وترتيبها في كافة الدول العربية والإسلامية، وتولت استضافة مقره وتوفير تمويله.

وقد قطع التحالف شوطا كبيرا في تحقيق تلك الغاية تمثل في تراجع وتيرة العمليات الانتحارية والهجمات على المدنيين، عطفا على ما يمتلكه التحالف من إمكانات ضخمة.

الآن يقف العالم أمام مفترق طرق في سبيل استئصال الإرهاب والتطرف، وهنا لا بد من إزالة الأسباب التي تمنح الإرهابيين مبررات الوجود، وتمكنهم من استغلال العامة والبسطاء، وهنا تبدو الحاجة الماسة إلى وقف الاستفزازات والإساءات التي يتعرض لها الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم من بعض من يفتقدون إلى الإحساس بالمسؤولية، بذريعة حرية التعبير. ولا بد أيضا من إيجاد حل للقضية الفلسطينية ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على القدس الشريف، لأن الإرهابيين يستغلون ذلك ويوهمون أتباعهم بأنهم يدافعون عن الإسلام والمسجد الأقصى.

كذلك من الضروري وضع حد لاستشراء ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب والتي تدفع كثيرا من المهاجرين إلى العيش في جماعات منعزلة عن المجتمع يتفشى فيها الفقر والجهل والأمراض، وهو ما يجعلهم لقمة سائغة لجماعات العنف والتطرف. فالدول الغربية مطالبة بسرعة إدماج هؤلاء في مجتمعاتها حتى يتحولوا إلى أدوات بناء وإنتاج بدل أن يصبحوا قنابل موقوتة تنتظر السانحة المناسبة للانفجار.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store