Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

أفيــــون

A A
الأفيون من المواد العجيبة التي أثرت على تاريخ الطب فهي من أقدم وأقوى المهدئات المسكنة في تاريخ البشرية. يقدر أنها استخدمت منذ أكثر من ستة آلاف سنة عبر الحضارات المختلفة في الشرق الأوسط والأقصى.. من مصر، وسوريا، والعراق إلى الهند والصين.

مصدرها زهرة الخشخاش الجميلة، وطريقة استخراجها بسيطة ولا تحتاج إلى تقنيات متطورة أو معامل.. كانت الخيار الأول لفترة آلاف السنين لعلاج السعال، والصداع، وآلام المفاصل، وآلام الأسنان، والاكتئاب، والإسهال للفئات العمرية المختلفة من كبار السن إلى الأطفال.

في البداية كانت تؤكل أو تخلط مع الطعام أو الشراب، وبعدها أصبحت تؤخذ عن طريق التدخين، وبالذات في الصين خلال القرن الثامن عشر فباتت آلية دخولها إلى خلايا الجسم بطرق أسرع، وأكثر تأثيراً. وبالرغم من أضرارها، وبالذات في موضوع الإدمان، انتشرت انتشاراً هائلاً بسبب قوة تأثيرها.

ومع التقدم العلمي وبالذات في مجال الكيمياء، تم اكتشاف أن الأفيون يحتوي على مجموعة من المواد المخدرة وأقواها مادة «المورفين» وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى إله الأحلام الإغريقي «مورفيوس».. وكانت تلك المادة من أهم مسببات حالة «الروقان» والتنبلة .

الشاهد أن العلماء نجحوا في استخراج المورفين من الأفيون عام 1803 وكان الاعتقاد أنه سيتميز بالتأثير الأقوى بكميات أقل، وأنه لن يسبب الإدمان. طبعاً كانت التنبؤات في غير محلها، وكانت مشاكل «المورفين» هائلة فيما يتعلق بالإدمان وسوء الاستخدام. وكانت الخطوة التالية في تاريخ الأفيون جريئة وكارثية..

في مطلع القرن التاسع عشر حيث كانت الشركات الألمانية تتربع على عرش عالم الكيمياء، نجحت شركة «باير» الجبارة في تحويل مادة المورفين إلى مادة أكثر قوة وتركيزاً.

وادعت «باير» بأنها توجت نجاحها بإضافة حماية كيماوية «تضمن» إزالة مخاطر الإدمان كما كان الحال للأفيون والمورفين. وأطلقوا على المادة اسم «هيروين» وهي مشتقة من اسم «هيرويش» بالألمانية وهي مقرونة بخصائص البطولة الخارقة.

ونجحت الشركة نجاحاً باهراً حول العالم في انتاج وترويج استعمال الهيروين كأحد الأدوية الآمنة لدرجة أن في مطلع القرن العشرين كان يمكن شراؤه بدون وصفة طبية، بينما كان شراء «الأسبرين» يتطلب ذلك.

وكانت الكارثة الكبرى في اكتشاف تأثيرات الإدمان والدمار الصحي بعدما أثر على حياة الملايين.

تاريخ هذه المادة الشيطانية يحتوي على المزيد من الغرائب التاريخية والاجتماعية والطبية فقد أدى انتشارها إلى قيام الحروب، وأهمها حربا الأفيون عام 1840 ثم عام 1856 بين الصين والامبراطورية البريطانية.. وأدت أيضاً إلى تغلغل الاستعمار في شرق آسيا وزعزعة تلك المنطقة بأكملها شاملة الصين بكبرها.

أمنيـــــة

أدعو الله أن يقينا شرور الأفيون ومشتقاته، في كافة الدول الإسلامية والعربية.

وأتمنى أن تنظر دول العالم الإسلامي بعين الجدية لمواجهة تحدي تفشي هيمنة تلك المواد الشيطانية على اقتصاد بعض الدول الإسلامية، وبالأخص أفغانستان التي عانت وتعاني من تحديات هذه المادة الخطيرة.

ندعو لها بالتوفيق في مواجهتها بمشيئة الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store