Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

قبل أن نلوم المتقردحين

A A
مصطلح (المُتقردِحِين) ليس المعنيُّ به هنا قبيلة أو عشيرة أو جماعة لها كيانها؛ وإنما المعني به كل من سلك مسلك وزير الإعلام اللبناني الحالي (جورج قرداحي) الذي فتح له إعلامنا –خاصة الأهلي- أبوابه ونوافذه ورفع له سقف حريته، وفتح له خزائنه ومنحه الشهرة والمكانة، ثم ها هو يتحول ويأخذ منا موقف الخصم الذي لا يربطه بخصمه عيشٌ ولا ملحٌ.

ظهر قرداحي وظهر قبله متقردحون كُثر، وسيظهر مستقبَلاً متقردحون جدد، لكن الأهم هو هل استفدنا من تلك الوقائع؟، وهل لدينا إستراتيجيات للتعامل مع أمثال تلك الوقائع مستقبلاً؟.

لن نأتي بجديد حين نقول إن السعودية منذ قيامها وهي تفتح قلبها وذراعيها لأشقائها وأصدقائها وتُكرم وفادتهم وتفسح لهم المجالات ليتسنموا المناصب ويعملوا في المواقع التي لديهم القدرة والكفاءة على النجاح فيها، وهي حينما تُقدم ذلك إنما هو من باب الأخوة والصداقة، ثم إن جميع من يعمل فيها من غير أبنائها إنما كان ذلك لكفاءتهم وهم يستحقون ما هم فيه وما وصلوا إليه، مع أن هناك حالات ربما أخذ المقيم مكانًا كان الأحق به ابن البلد ولكنها حالات لا تُعمم على الجميع. المؤكد أنني وغيري نرجو أن يحل السعوديون محل المقيمين في كل المهن والأعمال، لكنْ هناك مهن لا يقبلها السعودي تحت إلحاح الأعراف الاجتماعية، ومهن لا يستطيعها كونها تشق عليه ولا يستطيع الانتظام فيها وأداءها بإتقان، ومهن لا يكفيه ما يتقاضاه منها، وعلى هذا فوجود المقيم أمر طبيعي متى كانت الحاجة إليه قائمة ومتى كان يتقن أداء مهنته ويحترم الوطن وقوانينه وأنظمته ولا ضير في ذلك إطلاقًا ويبقى مرحبًا به.

مشكلة القرداحي وغيره من المتقردحين أنه ظن أن قدراته وإمكاناته هي التي مكَّنته من التربع على شاشات إعلامنا، نعم هو يملك بعض القدرات والمهارات ولكنها ليست كل شيء، وليست هي التي بوَّأته منزلة عريضة لدى الجماهير الخليجية خاصة؛ إنما الذي بوَّأه هذه المنزلة هو أننا حينما نُسلم عقولنا وقلوبنا لشخص ما لديه بعض القدرات التي تعزز مكانته فإننا نُسلمه (كل شيء) ونضع ثقتنا (كلها) فيه، ثم إذا لُدغنا منه مرة قلنا (لن يحور)، وإذا ناصبَنا الخصومة أو العداء ورمانا بسهام كلامه من موقعه الجديد خارج حدودنا قلنا إن الحل في استمالته بدعوة كريمة تغسل ما ران على قلبه عنا، أو باستضافته في فندق راقٍ ينسيه ما قاساه وعاناه في موقعه الخارجي وبالتالي يُقبل علينا بقلب سليم.

ولذا وقبل أن نلوم القرداحي -وأمثاله- الذي انقلب على عقبيه وعلى من كان يعضده ويرفده بالأمس، ليرتمي اليوم في شباك حزبٍ مسلحٍ جنى على أهله ومجتمعه ودولته ومؤسساتها كافة، علينا أن نجيب على هذين السؤالين، السؤال الأول: للمؤسسة الإعلامية التي رعت القرداحي وأظهرته وسمَّنته، ما موقفها من إساءته لوطننا؟

وهل ستكتفي بالإنكار والشجب؟

بل ما هو موقفها منه مسبقًا وهو متربع فيها إن كان قد بدر منه ما يسيء لنا؟، ثم ما هو موقفها ممن لا يزال يعمل لديها ممن ينتسبون للجنسية نفسها وربما يحملون المنهج نفسه وخاصة ممن بدر منهم ما يشي بتوجهاتهم؟، وما موقفها من الكفاءات الوطنية؟ وهل التفتت إليها؟، والسؤال نفسه ينسحب على بقية المؤسسات الإعلامية وغيرها.

السؤال الأخير: ماذا عن ممارسات بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية والأهلية حينما يعمد بعضها لاستضافة خصومٍ سلقونا بألسنة حداد وأعطوا ولاءهم وأصواتهم لمن ناصبنا العداء؛ فنراهم في الصفوف الأولى في مهرجان ثقافي أو مناسبة فنية وأحيانًا نراهم يظهرون على شاشات بعض المؤسسات الإعلامية وصفحاتها، وأبناء الوطن الموالون له المدافعون عنه لا دعوة تصلهم ولا ظهور لهم؟ وحجة تلك المؤسسات أنها تعمل على استمالة أولئك الخصوم (وكأن الخصوم سُذَّج)، وتبصيرهم بنا وبنهضتنا وإمكاناتنا (وكأنهم يجهلون ذلك)، والعمل على تغيير مواقفهم تجاهنا (وكأنهم آلات تتم برمجتها من جديد).

والخلاصة أن مثل هذه الحالات والمواقف تحتاج لخطوات استباقية وحزم مع كل بادرة شاطحة ونبتة خبيثة واجتثاثها سريعًا، وإذا وقعت الواقعة فينبغي أن توصد الأبواب والمصاريع والنوافذ في وجوهها لا أن نتحايل في التقرب إليها بحجج واهية، فالعقيدة الحزبية والسياسية لن تتبدل نتيجةَ دعوة لمهرجان أو ظهور على وسيلة إعلامية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store