Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالواحد سعود الزهراني

الجامعات الناشئة

A A
في سنوات وجيزة، ارتفع مؤشر التعليم العالي لدى المملكة والذي يعتبر من أهم مؤشرات التقدم والتنمية، ولم يكن الارتفاع مجرد رقم، بل حقق مراكزًا متقدمة من حيث الجودة والموقع في التصنيفات العالمية، وتمويل البحث العلمي وعدد العلماء، وتصدرت المملكة إحصائيات براءات الاختراع في المنطقة منذ عدد من السنوات ولا زالت تحافظ بجدارة على هذا التميز.. والحفاظ على هذه المكتسبات بالدرجة الأولى مهمة تضطلع بها الجامعات التي أولتها الدولة كل الاهتمام، وخصتها بالميزانيات الضخمة، والدعم اللامحدود، وساعدتها في أن تلحق بركب الجامعات العالمية المرموقة التي تعتمد على ذاتها بشكل شبه كامل، بل إن القيمة السوقية إن صح التعبير لبعض الجامعات تعادل شركات عالمية عملاقة، ويكفي أن نعلم أن إحدى الجامعات تملك حصة كبيرة في شركة قوقل نفسها.

ويقع التحدي الأكبر في بلادنا على الجامعات التي أنشئت مؤخرًا خارج المناطق والمدن الرئيسة الكبرى، والتي حققت أهدافًا في منتهى الأهمية، لا تخفى على كل منصف، رغم العديد من التحديات التي اعترضتها وما زالت، فتلك الجامعات بدأت من الصفر تقريبًا، حيث لا بنية تعليمية، ولا كوادر، وبذلت جهودًا جبارة، وتجاوزت أعتى التحديات وماهي إلا سنوات قلائل حتى بدأت أفواج الخريجين تدلف إلى سوق العمل، وبدأت محاكمة مخرجات هذه الجامعات بنفس المعايير التي تحاكم بها مخرجات الجامعات العريقة، ومن المقارنات الأولى لن ترجح الكفة بديهيًا للناشئة، ومن ثم تبدأ الصورة الذهنية السلبية التي يجتهد البعض في تعديلها بحلول باهظة قليلة أو عديمة الجدوى، ومن ثم تصبح هذه الجامعات مرفوضة وطاردة من قبل الجميع، فالطلاب لا يريدونها حتى لا تضيع منهم فرصة العمر الوحيدة في اختيار التخصص الذي يضمن المستقبل الوظيفي الآمن، والأهالي يعيشون نفس الهاجس المقلق، ومؤسسات المجتمع تضع مخرجات هذه الجامعات خارج اهتماماتها، فهي لا توظف خريجيها، ولا تطلب استشارتها، بل إن أعضاء هيئة التدريس يرونها الاختيار الأكثر استبعادًا عندما تعرض عليهم فرص العمل، رغم المزايا المالية والوظيفية المحفزة، وقاصمة الظهر أن النظام الجديد للجامعات سيربط مقدار التمويل الحكومي للجامعات بمؤشرات معينة يصعب أن تفي بها هذه الجامعات الناشئة.

هذا يدعونا للتساؤل عن مستقبل الجامعات الناشئة، والتي لا تعد إلا نسخًا مكررة من بعضها، لا تملك من أمرها إلا أن تحتمل ما لا تطيق من المطالبات الرسمية والمجتمعية، وتمر السنوات وهي تحاول عبثًا أن تجاري الجامعات الكبرى وهيهات، والمسؤولية في هذا لا تقع على الجامعات وحدها، فكما تمنح الدولة مزايا مالية تتمثل في (الرواتب) لمنسوبي الناشئة، فإن هذه المزايا يجب أن تمتد إلى مكونات الجامعة الأخرى، فمكافأة الطلاب يفترض أن تكون أعلى ولو بالقدر القليل، ومخصصات البحث العلمي من الدولة والجهات المانحة يجب أن تكون أعلى من الجامعات الأخرى (ما يحدث العكس تمامًا)، كما يجب أن تفصل ميزانيات المشاريع الإنشائية في الجامعات الناشئة عن الميزانيات التشغيلية، أما خريجي الجامعات الناشئة فيجب أن يمنحوا أولوية التوظيف في القطاعات العسكرية والمدنية الحكومية، لأن سوق العمل الخاص يضعهم في مراتب متأخرة دائمًا، ويأتي الدور على الميسورين ورجال الأعمال في ضرورة مشاركتهم الفعلية في تمويل الأوقاف والكراسي العلمية لهذه الجامعات، كما أن الجامعات الكبرى يجب أن يكون لها دور في استدامة الجامعات الناشئة من خلال الشراكات وتوأمة بعض الكليات والتخصصات المتناظرة.

لقد (هرمنا) بالفعل ونحن ننتظر تحقيق هذه الأحلام العظيمة، أما وقد تحققت أحلامنا بفضل الله ثم بفضل حكومتنا أعزها الله، فمن الغبن والحسرة أن تضمحل هذه المنجزات وتتآكل وتنهار والمجتمع كله يسمع ويرى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store