Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المؤامرة .. النظرية التاريخية واشاعات السوشيال ميديا

المؤامرة  .. النظرية التاريخية واشاعات السوشيال ميديا

A A
تخضع نظرية المؤامرة للعديد من الدراسات والبحوث العلمية والتي أجرتها مراكز البحوث السياسية والاجتماعية في مختلف دول العالم ، وربما اعتبرها البعض شمّاعة الفشل لدى المفلسين والمحبطين واليائسين الذين ليس لديهم خارطة طريق ولا بعد نظر أو طموح أو مشروع ناجح في حياتهم. لذلك فهم يعلّقون فشلهم على هذه النظرية لتبرير عجزهم وعدم قدرتهم على صنع النجاح، والحقيقة أنهم عجزوا عن مواكبة التطور وقبول الآخر، لكن واقع الحال اليوم يعيد لنا أثَر وفزع نظرية المؤامرة المستمرة في تغلغلها بقوة في كل شيء. وتتمتع نظرية المؤامرة برواج لافت في المجتمعات في أوقات الهزائم والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو أمر شائع على مر التاريخ.

مفهوم «نظرية المؤامرة»

يشير المعجم إلى أن «نظرية المؤامرة» هي الاعتقاد العميق بأن هناك منظمة سرية، لكن ذات نفوذ كبير، مسؤولة عن حدث غير قابل للتفسير. وقد نشأت أجيال توارثت مفهوم نظرية المؤامرة حتى بات منظومة قائمة بذاتها، ووسيلة لتبرير ما هو غير صالح للتبرير خارج حدود التقصير والإهمال والتقاعس. وكانت النتيجة أن فقدت «نظرية المؤامرة» ثقلها ومصداقيتها. صانعةً من خلالها مختلف الظنون وشتى الشكوك والتفسيرات، لتأثير سطوتها وقوة وقعها على العقول، باعتبارها فكرة وهمية وعبثية ولا أساس لها في الواقع.

بيل جيتس المتآمر

إحدى أكثر نظريات المؤامرة انتشاراً هي أن بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت» يضع اللمسات الأخيرة على خطط «لقاح على شكل شريحة، بحجم طابع بريدي، توضع تحت الجلد» وسيتم ربطها بملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي للفرد من أجل السيطرة عليه عبر تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات. وطالت نظرية المؤامرة غيتس لأنه يعمل في مجال إيجاد اللقاحات للفيروسات عبر شبكة من المختبرات التي يملكها والتي يدعمها مالياً حول العالم، وثانياً لأنه كان قد أطلق تحذيراً من مثل هذا الفيروس عام 2018 وهو تنبيه موثّق في فيديوهات وفي وسائل الإعلام التي كانت غطت محاضرته حول الأمر في حينه.

«كورونا» يفجر نظريات المؤامرة

نظريات المؤامرة متجذرة في التفكير السياسي ، منذ الإعلان عن فيروس كورونا بأنه جائحة عالمية، راحت تنتشر نظريات المؤامرة حوله، وازدادت وتيرتها مع قرارات التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي والإقفال العام والإصرار على ارتداء الكمّامة. وهذه النظريات تتنوّع بين حدود مفتوحة من الاتهامات، من قبيل أن المرض صنعته حكومات خفية تدير العالم من أجل تخفيف الكثافة السكانية وصولاً إلى إنتاج لقاح سيعطى لكل البشر من أجل إجراء تغيير في جيناتهم، وغيرها الكثير من التصوّرات التي لا يمكن تصديقها.

الأيدلوجية العربية ونظرية المؤامرة

لقيت المؤامرة مزيداً من الرسوخ جرّاء انتشار الأيديولوجيات العقائدية، ومن مختلف التوجهات، التي اكتسحت الساحة السياسية العربية، وكان لها الدور الأكبر في تأجيج الإدعاءات المؤامراتية وذلك للتغطية على اخفاقها في تحقيق التنمية الشاملة سواء على صعيد التنظير السياسي أو من خلال ممارسة السلطة السياسة. هكذا أثبتت نظرية المؤامرة جدواها كأداة لتجييش الجماهير وحملها على الالتفاف حول السلطة من جهة، أو لتبرير فشل هذه السلطة من جهة أخرى. حيث يسعى الجميع إلى استغلالها في أوقات الصعاب كما لو كانت عصا سحرية قادرة على تبييض صفحتهم وتحصينهم ضد خصومهم. ولفرط الاستعانة به، بات الفكر التأمري جزءاً من نسيج حياتنا العربية، ذلك أنه يريحنا من عناء البحث عن أسباب الفشل، ويغنيا عن نقد الذات وتحمل المسؤولية!

نشر الإشاعات والمؤامرة

الواقع تاريخيا وحاضرًا شاهد على وجود مؤامرات حقيقية، ولكن ذلك لا يُسوّغ لنا القبول بالإشاعات ونظريات المؤامرة: «كونه نوع من الاعتقاد العقيم الذي لا يُفيد في شيء ويقود إلى نتائج عكسية، ، نظرًا لأنه لا يستند إلى دليل، وبالتالي يعجّ باحتمالات الكذب»، مع كونها ظاهرة، أضحت اليوم مثيرة للجدل وملفتة للنظر بشكل خاص،

إلا أن نظرية المؤامرة قديمة جدًا، فقد وُلدت «بدون شك حينما استقرّت المجتمعات، وبدأ الصراع على السلطة»،

صراع الحضارات

إن الصراع والتنافس بين الحضارات والأمم هو القانون الذي يحكم الكون، وبالتالي من الطبيعي أن يشهد التاريخ البشري تضارباً في المصالح وتسابقاً بين أطراف مختلفة لتحقيق أهدافها على حساب جهات أخرى. يتطلب ذلك من مجتمعاتنا أن تعي سنن الكون وتدير الصراع في ضوء رؤية استراتيجية لتكون على مستوى التحدي بدلاً من البقاء خانعة على قارعة التاريخ وتوزيع الاتهامات بالتآمر عليها. وهذا يعكس حالة البؤس الفكري والسياسي التي نعيشها بسبب تفاقم متلازمة جنون الشك والارتياب (البارانويا) التي تتمثل في «تفكير المريض الدائم بأنه مضطهد من قبل الآخرين وأنه دائما في خطر متلاحق ممن هم حوله، لهذا تجده دائم الارتياب والقلق والشك في الآخرين».

نظرية الدولة العميقة

نظرية «الدولة العميقة» التي خرجت بها جماعة «كيوأنون» الأميركية. وبحسب تقرير متخصص في مجلة «بوليتيكو-أوروبا»، فإن جماعة «كيوأنون»، انتقلت من الضفة الأميركية عبر الأطلسي إلى أوروبا. وأفكار «كيوأنون» تنتشر بشكل واسع على «فيسبوك» و»يوتيوب»، على الرغم من إزالة كثير من محتوياتها من قبل المنصّتَين. ويؤمن هؤلاء المحتجون بوجود «دولة عميقة» تتحكّم بالعالم، ونظرية المؤامرة تلك باتت تنتشر من الشمال الأوروبي إلى بريطانيا، وصولاً إلى البرتغال.

تطور الأوبئة وأفكار المؤامرة

شهد العالم على مدار حِقَبِه المختلفة سرديات تآمرية لكل أزمة وبائية مر بها، فأجواء الخوف من المجهول واللا يقين والفوضى ، تدفع أنصار المؤامرة إلى البحث عن ذلك الطرف الخفيّ (من المستفيد؟)، كي يتم نسج رواية تفسيرية تخلق لهم معنى لما يجري من أحداث وتفاعلات يومية في زمن الأوبئة، والتي قد تستعصي إما على الفهم العلمي، أو لا تسمح قدراتهم بمواجهة تعقيداتها وتداعياتها المحتملة. فمثلًا، راجت تفسيرات تآمرية حول أن الألمان خلقوا الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918، كسلاح بيولوجي. وبالمثل، انتشر ادعاء تآمري بأن الولايات المتحدة خلقت الإيدز في مختبراتها في الثمانينيات. كما تكرر الأمر مع الإيبولا في إفريقيا خلال التسعينيات، والسارس في جنوب شرق آسيا عام 2002. بل إن سرديات المؤامرة تمددت لتربط بين إدارة «أوباما» وإنفلونزا الخنازير في عام 2009، إذ زعم البعض أنه فيروس مخلّق لدعم موقف تلك الإدارة إزاء نظام الرعاية الصحية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store