Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

تقاسم جائزة نوبل مع طالبه.. لماذا؟

A A
العظماء من العلماء لا يهمهم كثيرًا أن ينالوا جوائز أو هدايا أو ميداليات، بل بعضهم لا يأبهون بها كثيرًا، لأن جل اهتمامهم هو تحقيق الإنجاز «المميز» من خلال عمل دؤوب متواصل خلفه عبقرية وموهبة غير عادية.. وأن تميز أعمالهم تفصح عن جهدهم وتفرض احترامهم وتوضح اكتشافاتهم.

إن من أغرب ما عرفت عن بعض هؤلاء العباقرة أن أحدهم من الذين حصلوا على جائزة نوبل عندما اتصلوا عليه وطرقوا بابه ليخبروه ويبشروه في اختياره وحصوله على جائزة نوبل لم يتجاوب معهم ورد عليهم ردًا باردًا واعتبر أن ذلك ازعاجًا له لأنهم اتصلوا عليه في وقت متأخر من الليل وأن هذا الأمر لا يعنيه شيئًا كثيرًا كما أن العالم الكندي فردريك بانتنج الذي حصل على جائزة نوبل عام ١٩٢٣ لاكتشافه الأنسولين بعد حصوله على الجائزة قرر أن يقسم نصيبه المالي من الجائزة مع تلميذه وشريكه في أبحاثه الطالب تشارلز بست الذي لم تشمله الجائزة بشكل رسمي لكونه طالبًا في ذلك الحين ولم يتنكر له بل اعتبره شريكًا لأنه كان معه في المعمل وشاركه الأفكار والأبحاث والأتعاب، ومن الملفت للنظر أن الحكومة الكندية تقديرًا لجهوده العلمية والبحثية منحته مرتبًا عاليًا مدى الحياة وحتى الممات حيث توفي عام ١٩٤١ وكان من أفضل أربع كنديين على مستوى الدولة والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تقاسم مع طالبه الجائزة ومع أنها منحت له شخصيًا؟

والجواب أنهم العلماء الكبار المتجردين، أنهم العلماء الذين أثنى الله عليهم في قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) خشية الله تعني الضمير الحي الذي يحسب ما له وما عليه، الضمير الذي ينبض بالحق والعدل والإنصاف، إن الباحثين من الطلاب المتميزين يستحقون مراعاتهم في هذا الجانب وهو حفظ حقوقهم وجهدهم في البحث العلمي خاصة النشر العلمي، إن النزاهة البحثية والعلمية سلوك فطري الا أن هناك من يعوج به الضمير فيستخدم جهد غيره في ترقيته أو الحصول به على مزيد من المال، إن أحد أسباب ذلك عندنا في الجامعات السعودية هو شروط الترقية العلمية لأساتذة الجامعات وضروري أن تتغير كما وضحت ذلك في مقالة سابقة شرحت فيها بالتفصيل كيف يمكن أن نفصل بين الترقية العادية المالية والترقية العلمية البحثية.

إن العلاقة بين الأساتذة والطلاب في البحث العلمي تقوم على أساس الإشراف البحثي من الأستاذ مقابل العمل الجاد من الطلاب ويبقى تدبير الدعم المالي للبحث لأنه مكلف ومحل نقاش وسؤال، إن وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز تشترط على تمويل البحوث وجود طلاب ماجستير أو دكتوراة ضمن فريق البحث عند التقديم لدعم البحوث مما يساعد في تمكين الطلاب من إنجاز بحوثهم وهذا من أجمل التوجهات للدعم البحثي لطلاب الدراسات العليا. إن أصحاب الأموال في سلفنا الصالح كانوا معينين ومساعدين لطلبة العلم من تجهيز دور لهم للسكن وتمويلهم ماليًا فطالب العلم وباحثه والمتفرغ له أمانة في عنق الأغنياء من المجتمع وهو باب من أبواب التبرع والأوقاف، فهذه الثقافة لا نجد لها وجود اليوم كما هي موجودة في الغرب لأن مفهوم العمل الخيري مقصور على بناء المساجد وكفالة الأيتام، دون الالتفات لمنهج الإسلام في اعتبار دعم طلبة العلم من الحسنات والصدقات الكبرى الذي يمكن أن يتم من خلال تبني المنح الدراسية لطلاب الماجستير والدكتوراة وكذلك تبني المشاريع البحثية والكراسي البحثية.. إن الجامعات العالمية ذات الصيت البحثي مثل هارفارد (سميت باسم أول متبرع لها جون هارفارد) وقامت بتبرعات الأوقاف وهناك نظام الأوقاف العائلي في بعض الجامعات الأمريكية بمعنى من يدفع من العوائل مبالغ كبيرة جدًا للجامعة فإنها تتكفل بقبول أبناء وبنات العائلة في الدراسة الجامعية فحبذا يطبق نفس النظام في الجامعات السعودية وهو من باب الدراسة المدفوعة التكاليف ليس إلا وبذا يتحرك الاقتصاد المعرفي في الجامعات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store