Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

إتّا (2)

A A
يصف عنوان المقال إحدى أول الألعاب التي تعلَّمناها في الصغر.. وجوهر الموضوع هو الاختباء بطرق إبداعية.. وسبحان الله أن هذا النشاط يتبلور في بعض من الأماكن التي لا نتوقعها، وفي مقدمتها الاستخدامات الحربية. من الطرائف أن العديد من البدل العسكرية كانت تعمد لإظهار القوة من خلال الألوان الزاهية، ومنها السترات الإنجليزية الحمراء الفاقعة اللون للقوات الملكية البريطانية، ولباس ألوان قوس قزح محاربي القبائل الهندية الحمراء، والقبائل الإفريقية الشهيرة بالقتال الشجاع. وتغيرت المفاهيم بشكل علمي خلال الحرب العالمية الأولى عندما شارك بعض الفنانين في تصميم ألوان وأشكال المعدات الحربية الميكانيكية على الأرض، وفي البحر، والسماء.. ودخلت كلمة «كاموفلاج» الجديدة في المصطلحات الحربية لتصبح من أساسيات التمويه. والكلمة مشتقة من اللغتين الإيطالية والفرنسية بمعنى الإخفاء. وخلال الحرب العالمية الثانية اخترع علماء إنجلترا «الرادار» للكشف عن حركة الطائرات والبواخر باستخدام موجات الراديو.

واستخدمت بشكل خاص في منظومات الدفاع الجوي للتنبؤ بالغارات. وكانت ردة الفعل طبعا هي البحث عن محاولات لتفادي الرادار بموجاته المختلفة.. من الموجات الطويلة إلى القصيرة جدا (الميكروويف)، ولم تنجح أي منها نجاحا باهرا إلى منتصف السبعينيات الميلادية. ومن العجائب أن الشركتين اللتين نجحتا في تمويه الرادار كانتا في نفس المكان الجغرافي، حيث كانت شركتا «لوكهيد» و»نورثروب» الأمريكيتين على بعد حوالى ثلاثين كيلومتر من بعضهما البعض في ولاية كاليفورنيا.. ولكنهما استخدما تقنيتان مختلفتان اختلافا جذريا.. وقبل الخوض في التفاصيل لابد من ذكر إحدى الغرائب، وهي أن مصادر تقنية تمويه الرادار كانت ورقة علمية ألَّفها أحد العلماء السوفييت في مطلع الستينيات الميلادية، ودفنت في أدراج المكتبات لمدة عشرة سنوات، وتم اكتشافها بالصدفة.

تحدث عالم الفيزياء الروسي «أوفي متسف» عن أهمية ظاهرة «حيود» الموجات، أي تشتيت صدى موجات الراديو لتفادي الرادار باستخدام الأسطح المتعددة وكأنها مرايات عاكسة. وقفز علماء «لوكهيد» على الفكرة، فولدت الفكرة الأساسية لطائرة «الشبح إف 117» التي افتتحت غارات حرب تحرير الكويت في يناير 1991..

كانت من أغرب الطائرات العسكرية بلونها الأسود، وزوايا أسطحها المختلفة الحادة. وأثبتت جدارتها في تفادي الرادار في مسارح عمليات مختلفة في أمريكا اللاتينية، ثم الشرق الأوسط، ثم البلقان.. وأما شركة «نورثروب» المنافسة، فقد تبنَّت فلسفة مختلفة تماماً لتصميم طائرتها الشبح من طراز «بي 2». وكانت بعيدة كل البعد عن مبدأ الأسطح المتعددة الحادة فوضعت منحنيات ملساء على كامل جسم الطائرة وصممتها على شكل جناح ضخم. الشاهد أن الطائرتين أصبحتا نقطتا تحول أساسية في تقنية التهرب من الرادار بنجاح. وللعلم فهذه طائرات كبيرة ولكن بصمتها على الرادار أقل من بصمة حبة «كباب ميرو».

واليوم وبعد مرور حوالى أربعين سنة على تطبيقات التهرب من الرادار، نجد انتشار فلسفة التصميم في الطائرات الحربية المختلفة، ولكن الموضوع تخطى ذلك وانطلق إلى العديد من المجالات ومنها: تطبيقات الفضاء الخارجي، فبعض الأقمار الصناعية العسكرية تستخدم تقنيات التمويه لتفادي الهجوم من الأسلحة.

أمنية:

هناك ما هو أخطر من كل ما جاء أعلاه، فتقنيات التمويه والاختباء تمارس ضدنا جميعا كل يوم بسلاسة عبر التطبيقات الإلكترونية التي تبدو وكأنها بريئة.. فضلا تأمل في عدد الموافقات التي أجزتها على هاتفك أو حاسوبك عند تركيب البرامج الجديدة بدون أن تعرف فحواها ومقاصدها.. وكمان يسمّونها «كوكيز».. «يعني يعني» أنها لذيذة.. والله أعلم بخبايا الإتّا الحديثة، وهو من وراء القصد.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store