Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

عين الصين على ديموقراطية الغرب الجريحة

A A
في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر فيه بقلق شديد لتمدد وتنامي القوة الصلبة الصينية عسكريًا واقتصاديًا بشكل عبر عنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي قائلا: «ميزان القوى العالمي في مرحلة تحول فالصين أصبحت قوة عسكرية.. نحن نراها تقترب منا، نراها في العالم السيبراني وفي الفضاء وفي أفريقيا والقطب الشمالي.. نحن نراها أيضًا في الطريقة التي تحاول بها السيطرة على البنية التحتية الحيوية لدينا هنا في أوروبا».

في نفس ذلك الوقت كانت أصابع التنين الصيني -غير الصلبة- قد وصلت فعلا إلى نقطة أخرى أكثر قربًا من كل تلك الأماكن التي أشار إليها الأمين العام لحلف «الناتو»، نقطة لامست معها عمق القوة الناعمة الأمريكية وجوهرة تاجها الثمين وهو «الديموقراطية». هذا العمق والأهمية أشار إليه جوزيف ناي في مقال له في نوفمبر الماضي، بوصفه للديموقراطية بأنها أبرز عناصر قوة الجذب التي تجعل بإمكان الولايات المتحدة تحقق أهدافها حول العالم دون الحاجة لممارسة الإكراه بالقوة أو الإغراء بالمال والاقتصاد. لكنه أضاف قائلا بأن هذه «القيمة الأمريكية» المهمة تمر اليوم بمرحلة انحدار ووهن شديد بسبب اهتزاز صورة ممارسة أمريكا نفسها لتلك الديموقراطية داخليًا لدرجة ينبغي معها القلق ليس على قوة أمريكا الصلبة (عسكرية واقتصادية)، ولكن بقدر أكبر على قوتها الناعمة (القيم الأمريكية).

التحرك الأمريكي لإنقاذ ديموقراطيتها الجريحة جاء في شكل دعوة لقمة افتراضية باسم (قمة الديموقراطية 2021) قال عنها موقع وزارة الخارجية الأمريكية: «الديموقراطية لا تتصف بالكمال.. لا تحدث بالصدفة، بل ينبغي علينا حمايتها، القتال من أجلها، تقويتها، وتجديدها». في حين لم تفوت الصين الفرصة فجاء ردها سريعًا وقبل أيام من انطلاق القمة، وكتب السفير الصيني لدى السعودية مقالا حول ذلك في صحيفة الشرق الأوسط، وصفته عند نشره بتغريدة لي بأنه رد يتسم بالذكاء والدهاء، فالمقال الذي حمل عنوان (تنوع العالم بحاجة إلى أنماط متعددة من الديموقراطية) لم يكن انفعاليًا أو هجوميًا، ولكنه كان يحمل رسالة صينية لدول العالم تقول: شاهدتم لعقود نموذج الديموقراطية الغربية ومحاولات فرضه عليكم دون مراعاة لخصائص دولكم وظروفها وثقافاتها..

ونحن في المقابل ندعوكم لمشاهدة النموذج الصيني الذي أثبت نجاحه الاقتصادي والاجتماعي.. يقول المقال: «ديموقراطية الشعب الصيني هي نوع من الديموقراطية في العملية برمتها، فقد تمكنت الصين من أن تمضي على المسار السريع، وأن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع تحسن ملحوظ في حياة الناس، وبناء مجتمع مزدهر باعتدال وشمول وحل لمشاكل الفقر المدقع..».

ولمح المقال إلى ازدواجية معايير النموذج الديموقراطي الغربي وعدم احترامه لثقافات الدول الأخرى وأنظمتها قائلا: «في عالم اليوم تمتلك البلدان أنظمة اجتماعية مختلفة وآيدلوجيات وثقافات تاريخية ومستويات تنمية مختلفة، ولكن لا ينبغي استخدام هذه الأنظمة ذريعة لخصخصة الديموقراطية، والانقسامات المصطنعة، وتشكيل الدوائر الصغيرة وسياسة المجموعات».

ختامًا، هل ستتمكن قمة الديموقراطية المرتقبة من علاج أخطاء ممارساتها ليس فقط في الداخل الأمريكي، ولكن في مختلف أنحاء العالم؟ أم أننا سنرى قريبًا نموذجًا جديدًا مختلفًا للديموقراطية تكون الصين فيه هي الرمز الذي يسحب البساط ويرسخ قدومه كقوة عظمى شاملة وليس فقط اقتصادية وعسكرية؟


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store