Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

ماذا يعني أن تكون باحثا مستقلا؟

A A
سألني صديق أكاديمي عن سر انشغالي الحالي الشديد بإجراء دراسة بحثية، رغم عدم حاجتي لذلك مهنياً، ورغم ما تتطلبه مثل تلك الدراسات من جهدٍ ووقت كبيرين. وبدا لي أن إجابتي لم تكن مقنعة له، وهي أن هذه ليست الدراسة الأولى التي أقوم بها كباحث مستقل، دون أن أسعى من ورائها لتحقيق أي عائد مادي أو ترقيات أكاديمية وظيفية، بل هو مجهود دافعه الوحيد هو الشغف وحب التخصص من ناحية، ومن ناحية أخرى وجود قناعة وإيمان بفكرة أو أفكار هامة محددة رأيت أنها بحاجة إلى تحقُّق أو إثبات، لكونها لم تنل -رغم أهميتها- ما يكفي من البحث والدراسة. علماً بأن الدراسة الحالية التي شارفت على الانتهاء منها هي بعنوان: (الاستقطاب الفكري في الإعلام السعودي)، وهو موضوع أستغرب كثيراً أنه لم يسبق تناوله بالبحث والدراسة رغم أهميته الكبيرة.

الملاحظ أن مسمى «باحث مستقل» ليس منتشراً لدينا، ولا أعرف ما هي الأسباب، في حين أن هناك نمواً كبيراً وسريعاً في أعداد الدراسات المستقلة في الغرب، وبشكلٍ خاص في الولايات المتحدة الأمريكية. والباحث المستقل هو الذي يقوم بإجراء دراسة بحثية على موضوع تم تحديده من قِبَله، ودون أن يكون لديه أي ارتباط أو تمويل من أي جهة أكاديمية أو غيرها. والتصور المغلوط السائد حول الباحثين المستقلين هو أنهم يسعون من وراء البحوث التي يقومون بها إلى الحصول على قبول جامعي لإكمال دراساتهم العليا، أو أنهم يقومون بتلك البحوث لحساب جهات حكومية أو تجارية لا ترغب أن تكون في الصورة.

تشجيع الباحثين المستقلين هو أمر مهم، لأن هناك الكثيرين ممن يمتلكون المهارات البحثية اللازمة، ولديهم في الوقت نفسه خبرات مهنية في مجالات محددة لسنوات طويلة منحتهم القدرة على رؤية جوانب هامة مغفلة ضمن دوائر تخصصهم، أو رؤية استشرافية مؤثرة لمستقبل محدد لتلك الدوائر يتطلب البحث والدراسة. وحين أقول تشجيع، فأنا لا أقصد بذلك التشجيع المادي، فمَن يدفعه شغفه للبحث والدراسة المستقلة يكون بحاجة فقط للمعلومة، ولمتلقٍ منصت يمتلك عقلاً منفتحاً ومستنيراً مستعداً لرؤية مضمون الدراسة وفحواها، وعلى أقل تقدير تجنب مقاومتها لأسباب شخصية أو لا علاقة لها بالجانب العلمي.

لا شك بأن إجراء دراسات بحثية شاملة وكبيرة تستلزم قدرات وإمكانات مادية لا تتوفر عادة لدى الباحثين المستقلين، كما أن هناك الكثير من الملاحظات التي تتردد حول مدى حاجتنا فعلياً للمزيد من الدراسات العلمية في ظل ذلك الكم الكبير جداً من الدراسات الأكاديمية الجامعية، والتي لا تتم الاستفادة الفعلية سوى من القليل منها.

وواقع الأمر أن التكنولوجيا الحديثة وفَّرت كثيراً من الأدوات التي تساعد الباحث في إنجاز بحثه بتكاليف محدودة جداً، ويمكن الاعتماد عليها طالما تم استخدامها بطريقة جيدة. كما أن هناك في المقابل نقطة تُحسَب لصالح الباحثين المستقلين عندما تكون بحوثهم؛ لمواضيعٍ تم اختيارها من واقع حاجة فعلية وممارسة عملية، ويتم إجراؤها بدافعٍ من الحب والشغف، وليس مجرد بحث عن ترقية ودرجة علمية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store