Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

تطبيع وشرعنة الشذوذ دولياً

A A
أحد أكبر الأخطاء التي يمكن أن نرتكبها بحق أنفسنا وبحق مجتمعاتنا اليوم هو أن نتصور -ولو قليلاً- أننا بمنأى عن موجة تطبيع وشرعنة الشذوذ، ووصف ذلك والتعامل معه على أنه مجرد خصوصية غربية عابرة كعبور تقليعات الملابس والموسيقى، والظواهر الاجتماعية المتمردة كالهيبيز وغيرها، فقد بات من المؤكد أن هذه الموجة تحولت إلى طوفان لم يعد من الممكن الاكتفاء بالقول إنه أصبح على أبوابنا، بل إنه بات في قلب بيوتنا وبين أيدي أطفالنا، وحتى في محتوى إعلامنا الرقمي وتأثيرات بعض مشاهيرنا المروجين عياناً بياناً للشذوذ.

نحن لسنا بحاجة لمجهود كبير لمعرفة أن دعوات الشذوذ تجاوزت كلياً نطاقها المحلي في المجتمعات الغربية، وبدأت جادة بالسعي لفرض ذلك الشذوذ في مختلف دول العالم الأخرى، مستخدمة في ذلك ترسانة من الأدوات التي لم تعد تقتصر على وسائل الإعلام المختلفة، بل تجاوزتها للعمل العلني المنظم الذي منحهم القدرة على ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية والأدبية وغيرها على المستوى الدولي، بعد أن تسنى لهم اختراق العديد من المنظمات والهيئات الدولية، حتى إنه أصبح لهم تنظيم معترف به من قبل الأمم المتحدة وهو التنظيم الدولي للشاذين والسحاقيات (ILGBA).

وبين يديَّ حالياً أكثر من دراسة ومقال وبحث علمي تتحدث جميعها عن كيفية نشر المثلية ودعمها والترويج لها في دول العالم المختلفة، وتشير إحداها إلى أن أهم الوسائل التي أثبتت فاعليتها هي الوصول للأطفال وصغار السن عبر «القدوة» من مشاهير شبكات التواصل والفنون، وعبر أسلوب تكرار الظهور بجاذبية لمشاهد المثلية لتعويد المشاهدين عليها وقبولها.

لقد أدركت حكومة المملكة حقيقة هذه الدعوات ومخاطرها، وعبَّرت عن مواقفها الواضحة والرافضة لها في العديد من المناسبات، ومنها كلمة معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير أمام القمة العالمية الألفية للتنمية المستدامة عام 2015 والتي قال فيها: «إن الإشارة إلى الجنس تعني بدقة «ذكر أو أنثى»، والإشارة إلى العائلة تعني الأسرة التي تقوم على الزواج بين الرجل والمرأة، وفي حال خروج هذه المصطلحات عن مقاصدها، فإن بلادي تؤكد حقها السيادي الكامل في التحفظ على تنفيذ أي توصيات تتعارض مع مبادئ ديننا الإسلامي وتشريعاتنا». كما عاود مؤخراً السفير عبدالله المعلمي من على منبر الأمم المتحدة، تأكيده لرفض المملكة لمنهج بعض الدول التي تتبع سياسة غير ديموقراطية تهدف لفرض المفاهيم والقيم المختلف عليها دولياً، وتحاول أن تفرض على الآخرين التزامات خاصة بالميول والهوية الجنسية.

هذه المواقف السياسية الواضحة والصريحة للمملكة مهمة دون أدنى شك، وينبغي لها أن تكون أساساً لقيام الجهات الأخرى لدينا بدورها في مواجهة ورفض أي محاولات مباشرة أو غير مباشرة لفرض الأفكار التي تتعارض مع هويتنا وقيمنا التي نفخر بها، والتي لن يحترمنا الغير ما لم نحترمها ونرفض المساس بها. وعلينا أن نتأكد بأن كل تنازل أخلاقي ستتبعه مطالبات بتنازلات أكثر لن تتوقف عند أي حد.

مواجهة هذا الطوفان والتصدي له لن تكون أمراً سهلاً، خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي والضغوط السياسية المختلفة، ولكن أي ثمن ندفعه سيكون أقل بمراحل من ثمن خسارتنا لهويتنا وقيمنا واحترامنا لأنفسنا.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store