Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الكراسي.. هل تصنع شخصيات متناقضة ؟!

A A
عودوا ثلاثة عقود للوراء، وقفوا عند ظاهرة برزت -حينَها- وحظيت بكثيرٍ من الجدل والنقاش بين المهتمين وأهل الرأي، وهي ظاهرة ما يُسمَّى بـ(الالتزام الظاهري). هذه الظاهرة دفعت البعض للقول بأن مَن كان على هذه الحال التي يبدو فيها الشخص للناس على تقوى وورع في حين أنه مقصر في حقوق الله وحقوق العباد، فإنه يمارس دور (الشخصية المتناقضة) التي تظهر أمام الناس بوجهٍ مستعار تنزعه متى ما توارت عنهم. من هذا المهاد ننطلق لنقف عند ظاهرة جديدة باتت اليوم جديرة بالدراسة والنقاش، وهذه الظاهرة تجلَّت معالمها مع وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة (تويتر)، الذي أزاح الأقنعة عن الوجوه وجلَّى ملامحها وأفكارها تحت شمسه الساطعة. عرِّجوا على تويتر وتمعَّنوا في حسابات الكثير ممن يجلسون على الكراسي الإدارية، تجدوا حساباتهم خرساء لا تنطق إلا بالتمجيد لمؤسساتهم وأخبارها وأخبارهم هم في نطاق مؤسساتهم،

وهنا نقول: إن المتعارف عليه أن هؤلاء ما وصلوا لهذه الكراسي إلا لأنهم يملكون قدرات ومهارات كافية في مجالات متعددة، ومنها مهارة الحوار والإقناع، ومهارة تقدير الأمور، ومهارة الأسلوب الأمثل في المحاججة والردود، ما داموا كذلك، فلماذا يلتزمون الصمت حتى فيما يخص إشكاليات مؤسساتهم وقضاياها؟، وما الذي يحول بينهم وبين إبداء آرائهم بما يعزز فكرة بنَّاءة أو يُصوِّب خطأ متداولاً، أو يثري مسألة مطروحة، أو يحل إشكالاً، أو يجيب على تساؤل حول مؤسساتهم؟، وإن أعرضوا عن الحديث عن مؤسساتهم وقضاياها، أليسوا بشرًا لهم مشاعرهم وآراؤهم وتوجهاتهم الجديرة بالطرح والبسط عبر حساباتهم، خصوصًاً وقد أخذ كلُّ واحد منهم حِذْرَه ودوَّن في معرفه بأن حسابه (حساب شخصي)، أي أنه يُعبِّر عن نفسه لا عن المؤسسة؟، وإن كانت حالة الصمت تلك متأتية نتيجة عجزهم، فكيف وصلوا إلى كراسيهم؟، وإن كانت متأتية نتيجة خوفهم على كراسيهم، فهذا يعني أنهم لا يُحسنون النقاش والحوار، والرد والطرح، وبالتالي فقد يأتون بما يُسيء إليهم فيستدعي إزاحتهم، لذا يُفضِّلون الصمت، وإن كانوا يُحسنون النقاش والحوار والطرح لكنْ هناك موانع تمنعهم من الكتابة عبر حساباتهم، فهذا يعني أنهم يُكرِّرون لنا -مضطرين- تلك الظاهرة (ظاهرة الالتزام الظاهري)، وهم بهذا يُمارسون أدواراً مزدوجة حينما تُلجئهم هذه الموانع، فيُظهِروا للناس وجوهًاً مصطنعة، ما يعني أن الفرد منهم يعيش (بشخصية متناقضة).

ما الذي يمنع صاحب الكرسي أن يبدي رأيه ويُحاور ويُناقش ويُدوِّن أحاسيسه ومشاعره، ويطرح بعض مواهبه، ويعيش في تويتر كما يعيش الناس حياة طبيعية، مادام أنه يكتب في حدود المباح والممكن بما لا يمس (القيم الدينية والوطنية والثوابت)؟.

الغريب في الأمر أنك تجد أحدهم -عبر حسابه- إنسانًا طبيعيًّا مشاركًا بالرأي الهادف والحوار الناضج مثريًاً حسابه بالمفيد النافع، وبما يملكه من مواهب وقدرات، حتى إذا تسنَّم كرسيًّا توقَّف ذلك النهر وجفَّت مناهله، ولا تكاد تجد هذا النهر إلا في جلساته الخاصة. أرى أنه ينبغي أن يكون هناك شرطٌ أو بندٌ (إلزاميٌّ) لتقييم كل مَن يعتلي الكرسي، وينص على أن يكون هذا المعتلي (مشاركًا فاعلاً) في تويتر على كل الاتجاهات (لا أن يلتزم صمت القبور)، ويكون هذا البند ضمن بنود التقييم لأدائه؛ ذلك أنَّ طرحَ الرأي والنقاش عبر تويتر يعتبر محكًّا صادقًا للمسؤول، وما هو إلا صورة صادقة لما يطرحه في مؤسسته. وهنا أود أن أهمس في آذان الجهات المسؤولة عن هؤلاء وأقول لها: إن من الأوجَه أن يكون موظفوكِ (أصحاب الكراسي) على طبيعتهم دون تصنُّع منهم أو أقنعة، ومن الأفضل أن تنتهجي معهم منهج الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو المنهج الذي صرح محمد رضا نصر الله في حواره مع جابر القرني في برنامج (صنوان)، حينما تم تعيينه في مجلس الشورى؛ حيث جاء غازي القصيبي فلاطفَ الملكَ سلمانَ -أمير الرياض وقتَها- قائلاً: وضعتم محمد في مجلس الشورى، لكنكم أسكتُّم لسانه وما صار ينشر، فقال الملك سلمان: من الذي أسكت لسانه؟، ما أحد منعه من الكتابة، ثم إن من التوسط في الأمور أن يبقى صاحب الكرسي إنسانًا طبيعيًّا، لا متصنِّعًا ولا متناقضًا، وألا يَلزَم أو يُلزَم بالصمت، مادام أنه لن يقول إلا خيرًا وحقًّا ونفعًا.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store