Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

تحرير مفهومي ليبرالي وملتزم

A A
تُولِي دول الغرب اهتماماً كبيراً بمفهومي محافظ (conservative) ومتحرِّر (liberal)، وتُخصِّص لهما الكثير من الدراسات واستطلاعات الرأي التي تهدف للتعرف على ميول وخصائص كل منهما، والتغيُّرات التي تطرأ عليهما في مختلف المجالات، نظراً للتأثير الهام لهذه التوجهات الفكرية على الرأي العام ونظرته ودعمه لقضايا دون أخرى، سواء كانت قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، أو غير ذلك. ومع وجود تعريفات وأُطر واضحة ومحدَّدة للمفهومين في تلك الدول، إلا أن كلا منهما يختلف بدرجات متفاوتة من مجتمعٍ لآخر.

وفي المجتمع السعودي تتردد كثيراً بين الناس كلمتي «محافظ» و»متحرر»، وغالباً ما يكون القصد بهما على التوالي «ملتزم» و»ليبرالي»، بدون أن تكون هناك تعريفات واضحة لما تعنيه تحديداً جميع هذه الكلمات، التي يشوبها في واقع الأمر كثيراً من التشوهات المقصودة أو غير المقصودة، لأسباب عديدة مختلفة.. فكلمة ليبرالي أو مُتحرِّر تُستَخدم من قِبَل الكثيرين كمرادف للانحلال والتفسُّخ الأخلاقي، في حين نجد أن كلمة محافظ (ملتزم) يتم ربطها -حسب الغاية- بالتشدُّد الديني أحياناً، أو بحُسن الخلق أحياناً أخرى.

ومن المهم جداً بهذا الصدد أن تكون هناك وسائل لقياس وفهم هذه التوجهات الفكرية وخصائصها، والتغيُّرات الحاصلة عليها بشكلٍ منتظم، ويشمل ذلك مواقفها من قضايا المجتمع المختلفة.. وواقع الأمر أننا لا نفتقد فقط للدراسات حول تلك التوجهات، ولكننا نفتقد حتى للدراسات والاستطلاعات التي تحدد ما هي أهم القضايا الراهنة في المجتمع.

وقد يكون من المفيد بهذا الشأن قيام جهة موثوقة متخصصة بعمل استطلاع سنوي لتحديد التوجهات الفكرية في المجتمع، على مسار من خمس مستويات تتضمن: محافظ، محافظ جدا، محايد، متحرر، متحرر جدا. وكذلك قياس مواقفهم حيال مجموعة من أهم القضايا الاجتماعية السائدة، وتحديد درجة الارتباط والعلاقة بين كل من المواقف والاتجاهات الفكرية، وذلك بشكل يساهم في فهم المجتمع واهتماماته والتحولات المختلفة التي تطرأ عليه، إضافة إلى رسم صورة أكثر وضوحا وتحديدا لهذه المفاهيم وتجنب استخدامها بأشكال وأغراض خاطئة.

وبهذا الخصوص مثلا، يقوم مركز غالوب بإجراء استطلاعات رأي سنوية عديدة تتضمن قياس التغيُّرات الحاصلة في التوجهات الفكرية للناس في المجتمع الأمريكي، ومواقفهم من أهم القضايا ومن ضمنها: الإجهاض، القتل الرحيم، الطلاق، العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، الاستنساخ، المخدرات، وغيرها.

خلاصة القول هو إن إدارة التغيير في المجتمع وعلاج مشاكله وحمايته من التأثيرات السلبية العابرة للحدود، لا يمكن أن يتحقق دون وجود أدوات ووسائل قياس يمكن الاعتماد عليها، لمعرفة توجهات المجتمع الفكرية وخصائصها ومواقفها من أهم القضايا الأساسية السائدة.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store