Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

مرسول «العافية» والصحة الوافية

A A
قبل أن تنزل آيات توزيع الميراث وتحديد نصيب كل واحد من الورثة وفق ما أمر الله به بعد وفاة أي مسلم أو مسلمة، كان الأمر في بداية الإسلام أن كل قريب يمت بصلة قرابة لمن توفي يرث سواء كانت قرابته قرابة رحم أو نسب، ثم نسخ الله ذلك بتحديد من يستحق أن يرث من القرابة فقط وفق نظام محدد شرعه الله ونزلت به آيات توضح المواريث، ومع ذلك هناك توجيه من الله سبحانه وتعالى في نهاية تلك الآيات وهو قوله تعالى (وَإِذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، حيث هنا حث من الله سبحانه وتعالى ألا ينسى من يرث من لا يرث من قرابته، وفي هذه الوصية الإلهية أمران أولهما استحباب تذكر الأقارب سواء من جهة الأب أو من جهة الأم واستحضار حاجتهما وفقرهما والتواصل المادي معهما والتفتيش عن وضعهم من حيث السكن واللبس والاحتياجات الحياتية هم وأولادهم وأحفادهم وجميع قرابتهم هذا بالإضافة للشيء الأساسي غير المال وهو زيارتهم والسؤال عنهم والاعتناء بهم وإن من الخلل الاجتماعي أن تسأل عن قريبك الغني أو صاحب المنصب والوجاهة فقط ولا تعطي اعتبارًا عن القريب ذي الحاجة أو مستور الحال لأن هناك من الأقارب من هو يتيم أو أرملة أو عاجز أو مريض وهو ممن لا يرث ولا يدخل في الميراث.
أما الأمر الثاني فهو ما يرمي إليه النظام الاجتماعي الإسلامي الذي هو من عند الله بصياغة نظام تكافلي يحمل فيه الغني عن الفقير شيئًا من احتياجاته وهذا غاية في الأهمية لإخلاء القلوب والنفوس والصدور من الضغينة والحقد والحسد وإحلال محلها معاني الرحمة والشفقة والتعاون والتلاحم، ولإن كانت الصدقة مما يستجدى بها لكشف الضر والشفاء من المرض كما ورد بذلك الحديث في قوله عليه السلام «داوا مرضاكم بالصدقة» فكيف إذا كان من تتصدق عليه من ذوي القربى كالعمة أو الخالة أو قريب أو نسيب فإن ذلك بلا شك مرسول عافية بعثه الله بتوجيه منه لكي تتواصلوا معه من خلال الصدقة والإنفاق عليه لكي يسلم عليكم ويمنحكم من الله الشفاء من المرض أو يبقيكم دائمًا في عافية وبما أن العافية غالية فإن القريب الذي يجبلها بالصدقة عليه هو الآخر غال عند الله وإلا ما وصى الله عليه حتى ولو كان القريب تأتي منه بعض المشاكل أو الأذى فتحمله بالصرف عليه مما وصى الله به ويدخل هذا من باب حسن الخلق ومقابلة السيئة بالحسنة ومن باب العفو كما قال تعالى (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقد نزلت هذه الآية في سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما وقع قريبه واسمه مسطح في عرض ابنته عائشة أيام حادثة الإفك فقطع عنه سيدنا أبوبكر معونة مالية كان يعطيها إياه فأعادها إليه من جديد طاعة لتوجيه الله فلنتذكر مرسول العافية، أقصد الإنفاق من أجل الله على من يحتاج من قريب أو بعيد وبه بإذن الله تستمر الصحة والعافية وبالاستمرار في تطبيقه استمرار العافية والآيات في الإنفاق كثيرة وعديدة ومتنوعة العرض في القرآن الكريم مما يؤكد على أنها وسيلة أرسلها لنا كمرسول تتحقق به العافية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store