Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

لحمه «حرام» وزراعة أعضائه «حلال»!!

A A
إن أخطر ما يصدر عن أي مسلم مبادرته في تحليل أمر أو تحريمه (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)، فهناك صنف المحللون الموسومون بمبادرات التحليل في شرع الله وهناك صنف المحرمون الموسومون بمبادرات التحريم في شرع الله وكلا الصنفين مذمومان، تظهر مثل هذه المبادرات في التحليل أو التحريم في مستجدات أمور الحياة التي ليس فيها حكم شرعي وقد أحسنت صنعًا منظمة التعاون الإسلامي بأن أوجدت لها مجمعًا للفقه الاسلامي يجتمع فيه علماء الأمة الإسلامية لبحث المستجدات من القضايا وكذلك رابطة العالم الإسلامي العالمية لديها مجمع الفقه الاسلامي وكلاهما يبنون فتواهم الفقهية المستجدة بعد الدراسة البحثية المتأنية، وقد صدرت عنهم العديد من الأحكام الفقهية في مستجدات الأمور الحياتية الطبية والاقتصادية والتجارية وكان لي شرف الحضور معهم في إعداد بعض البحوث المتخصصة مثل الهندسة الوراثية والمورثات في اجتماع بالكويت والاستنساخ في اجتماع بالبحرين والخلايا الجذعية في مكة المكرمة لذلك فإن هاتين الجهتين غالبًا ما تكون قراراتهما الفقهية صائبة وموفقة واليوم هناك أمر مستجد يحتاج الى اجتماع يتبناه أحد المجمعين الفقهيين والتوصل إلى حكم فقهي فيه هو ما تم إنجازه طبيًا وعلميًا وبصورة محدودة إلى الآن لكن يتوقع أن يكون له تطبيق واسع في المستقبل وهو استخدام بعض أعضاء حيوان الخنزير مثل الكلية والقلب في زراعة أعضاء للإنسان.

إن الواضح من نصوص تحريم الخنزير الواردة في القرآن الكريم إنما تنص تحديدًا في تحريم أكل لحمه وهي أربع آيات منها قوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) وجاء ذكر الخنزير في السنة النبوية في حوالى مئة حديث بعضها وصف له ومعظمها تنص على تحريمه أكلاً وبيعًا وشراءً ما عدا حديث واحد أجاز الاستفادة من شعره في الخرازة، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤل عن الخرازة بشعر الخنزير فقال: لا بأس بذلك، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن، فالمجمع عليه كتابًا وسنة أن أكل لحم الخنزير أو أكل أي شيء منه شحمه وجلده وعظمه وكل ما فيه حرام، وهناك اتفاق بين أهل العلم على ذلك مع إقرار أن ليس هناك نص واحد لا من الكتاب أو السنة ولا اجماع من الأمة على تحريم استخدام عضو من أعضائه مثل الكلية أو القلب في إنقاذ حياة إنسان مسلم بل إن هناك آراء فقهية حديثة من علماء معتبرين في جواز استخدام أعضائه بشرطين أحدهما أن حياة من يريد أن يستخدمه في الزراعة إنما تقوم عليه فهو كتحليل أكل الميتة المحرمة لإنقاذ نفس، والشرط الثاني عدم إمكانية حصول ذلك العضو من حيوان طاهر مثل الأبقار أو الأغنام، والاعتبار الأساسي في التحليل هو المحافظة على النفس البشرية لأن أحد مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على النفس ومن هنا سنجد كالعادة في كل أمر جديد من يبادر في التحريم من باب أنه رجس ونجس ومن باب الاحتياط وسد الذرائع.

كما أتذكر عند بداية زراعة الأعضاء في الإنسان والتبرع بها وقف في البداية البعض من الدعاة موقفًا تحريميًا فحرم من الحياة بسببهم كثير من المرضى الذين كانوا يعانون من الفشل الكلوي حتى فتح الله على الأمة بقبولها وهي اليوم من أنجع الوسائل في منح الحياة للإنسان.

إن زراعة أعضاء من الخنزير تمنح الحياة للإنسان وتمده بعمر جديد يعبد الله فيه وهي تدخل من ضمن قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) خاصة أن المؤكد من شرع الله أن ليس هناك نص يدل على التحريم في زراعة الأعضاء من الخنزير إنما التحريم فقط أكلاً واستطعامًا في الأكل كما قال تعالى (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store