Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

محمد بن سلمان.. وما قدَّمه للدين والمتدينِين

A A
أجزم أنه سؤال المرحلة، وأنه السؤال الذي ينبغي أن يُجيب عنه كل مهتمٍّ بقضايا الدِّين والمتدينين وشؤونهم، وكل من يهمه أمر الوطن واستقراره، وكل من تشغله قضايا الإرهاب؛ خصوصًا وأن أحداث العقود الثلاثة المنصرمة وحمولاتها لا تزال ماثلة في أذهاننا، وأن مصطلحًا كمصطلح (الإرهاب) كثيرًا ما أُلصِق بالدِّين والمتدينين ومناهجهم ومعاقلهم. وبما أن جرائم الإرهاب تكاثرت وتنوعت في وطننا على مر العقود الثلاثة الماضية، فقد كان الدِّين السمح هو المتهم، ومخرجاته هي الضحية؛ فبمجرد وقوع حادث إرهابي - أيًّا كان فاعلوه - تتجه التهمة مباشرة إلى الدِّين بوصفه المحرِّض على هذه الجريمة أو تلك؛ دون التريث والنظر في أسبابها واستجلاء الحقائق حول من يقوم عليها.

ثلاثة عقود - وربما تزيد - والدِّين والمتدينون بين مطرقة الاتهام وسندان العقاب، ومع هذا فلا يمكن تبرئة بعض المنتسبين للدين من تلك التهم والوقوف وراءها. قضايا الإرهاب في وطننا لا تخفى على أحد، وما قيل عن علاقة الدين والمتدينين بالإرهاب لا تسعه عشرات المجلدات، وقد ألقى بظلاله على الدين بأن جعله شماعة لكل حادث إرهابي ولكل خطيئة، وعلى المتدينين بأن جعلهم محل اتهام، مع أن أكثرهم كان ضحية لفكر القلة وممارساتها.

وعلى قدر تزايد حالات التدين والإقبال عليه كان مؤشر العمليات الإرهابية في صعود، وهو ما ولَّد حالة من البلبلة لدى المتدينين وصل مدها خارج حدود الوطن. عقودٌ من الشد والجذب والتكذيب والتخوين والاتهام جعلت الدِّين عند البعض في الداخل - وعند المراقب في الخارج - شبحًا مخيفًا ومنهجًا مدمرًا وعقيدة لا تعرف إلا لغة العنف والقتل، وعلى هذا لاقى الدِّين والمتدينون صورًا من العناء والرفض، وتكونت عنهم صورٌ سودٌ قاتمةٌ، وكان الزمن كلما تقدم للأمام زاد السخط على الدين والمتدينين لدى المراقبين والمهتمين، مع أن الدولة لم تدَّخر جهدًا في كبح جماح هذا الاندفاع، ولم تترك وسيلة للتهذيب والتوعية - والردع أحيانًا - إلا سلكتها، ولكن يبدو أنه كانت هناك أمور ملتبسة. وبعد أن بلغت القلوب الحناجر واحتارت العقول، جاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليحمل مشرط الإنقاذ، وهو المشرط الذي ظاهره فيه القسوة وباطنه فيه الرحمة والتصحيح، فكان ما كان من معالجات جادة وحازمة اتخذها سموه حتى أعاد لسفينة الدين والمتدينين استقرارها، وتمكنت من إلقاء حمولاتها الزائدة والزائفة التي كادت أن تغرقها، وانطلقت آمنة في سيرها تمخر العباب بأمن ورشاد.

لست في مقام سرد تلك المعالجات والإجراءات فهي معلومة للجميع، لكنَّ أوضحها يتمثل في إزاحةِ التشدد عن سماحة الدين، والضربِ بيد لا ترحم على يد من يدعو للتشدد ويحصر الدين والتدين وفق رؤيته، وكشفِ ملابسات بعض العمليات الإرهابية التي نُسبت للدين والمتدينين ولم يكن لهم فيها يد؛ بل إن منفذيها (لا يتقاطعون أصلاً مع التدين)، وقد طالبتُ بجلاء هذا الأمر وتوضيحه سنة (٢٠١٦م) في مقالي: (الإرهاب..

وتكشفت الأوراق)، وفيه قلتُ: «إننا في هذه الفترة أحوج ما نكون لكشف ثِيمة العمليات الإرهابية والأسباب الحقيقية الدافعة لها»، ويتمثل في كشفِ أسماء كانت تتكسب من بقاء الإرهاب وحضوره، وربما كانت تُشجِّعه وتُدعمه (وتختلق عمليات مشابهة) ليستمر تدفق عوائده ومكاسبه عليها.

بهذه الإجراءات وغيرها، تنفَّس الدين والمتدينون الصعداء، وانجلت الضبابية عن الإرهاب وخفاياه، وسكتت الأصوات التي كانت تصطاد في الماء العكر وترمي التهم - ليل نهار، بحق ودون حق - على الدين والمتدينين.

بهذه الإجراءات الفاعلة (قدَّم سموه خدمة جليلة للدين والمتدينين) حينما خلَّصهم من فتنة عمياء ومكر كُبَّار أحاطت بهم حينًا من الدهر؛ وذلك بقطعه أسبابها، وبكشفه من كان يشعل فتيل نارها ويخلق عمليات مماثلة ليقتات على نغمة (محاربة الإرهاب). وعليه، فقد أصبح للدين والمتدينين اليوم صورة زاهية لا تلاحقها تهمة العنف والإرهاب والإقصاء؛ فسكتت أصوات الاتهام، وجفَّت أقلام التخوين، وهو ما جعل الدين السمح يأخذ مساره بهدوء إلى القلوب صافيًا نقيًّا. ولا أظن عاقلاً يغار على الدين إلا ويرجو له هذه الحال من (الرضا والقبول والاستمرارية) لدى الآخرين؛ بعد عقود من الجفاء والريبة والتوجس والتشويه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store