Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

زراعة القرنية والخلايا الجذعية

A A
إن من أهم الفتوحات العلمية الطبية الكبيرة التي فتح الله بها على الإنسان في العصر الحديث هي زراعة الأعضاء بدءًا من القرنية وانتهاءً بالقلب والرئتين مرورًا بالكلى وزراعة الخلايا الجذعية وبعض حالات إصابات الحبل الشوكي والمحاولات الجادة في أنتاج الأنسولين من الخلايا الجذعية والتي لم يشاء الله إلى الآن أن تتم، ولكن الأبحاث جارية بصورة تنافسية بين معامل الخلايا الجذعية وسيفرح العالم يومًا ما خاصة مرضى السكر بزراعة الخلايا الجذعية في البنكرياس بإذن الله.

إن الخلايا الجذعية مصدر علاجي واعد لكن في ما يتم إثباته والتحقق منه من تطبيقات علاجية وليس كما يفعل البعض بالضحك على المرضى، وحتى يتم الاستفادة من الخلايا الجذعية في العلاج فإن ذلك يقتضي تعاونًا كبيرًا بين الباحثين البيولوجيين المتخصصين في الخلايا الجذعية والأطباء، وتعتبر أحد المجالات العلاجية الهامة محاولة الاستفادة في زراعة الخلايا الجذعية لأمراض العيون على اختلاف أنسجتها وتنوع أسباب تلفها، ومن المعروف علاجيًا أن زراعة القرنية تعتبر أمراً يسير في حالة توفر القرنية من متبرع متوفى (في أمريكا تتوفر قرنيات المتبرعين على نطاق واسع لذلك لا يضطر المرضى عادة إلى الانتظار طويلاً للحصول على قرنية بينما عندنا الأمر عكس ذلك وأتمنى أن تتوسع دائرة التبرع بالأعضاء ليكون لها فروع في جميع مناطق المملكة أو على الأقل في المناطق الكبيرة مثل منطقة مكة المكرمة ويكون في جدة على الأقل بنك للأعضاء).

ومن الأمور المسهلة لتطبيق زراعة القرنية أنها لا تحتاج إلى أدوية مثبطة للمناعة كما في حالة بقية زراعة الأعضاء واشتراط أن يكون هناك توافق نسيجي ١٠٠% بين المتبرع والمستقبل كما في حالة زراعة الكبد والكلى والقلب، ذلك لعدم وجود تروية دموية وإمداد دموي في القرنية وتحصل على الأكسجين والمواد الغذائية الأخرى من الأنسجة والسوائل القريبة، وتعتمد العين كبقية أنسجة الجسم على الإنتاج الجديد للخلايا للتعويض عن الخلايا القديمة التالفة، يحدث مثل هذا الإنتاج من الخلايا في موضع التقاء القرنية بالملتحمة وهو ما يسمى بالحوف Limbus، فعند إصابة هذه المنطقة تعجز عن إنتاج خلايا جديدة كافية للحفاظ على القرنية هنا يمكن زراعة الخلايا الجذعية عن طريق جراح ماهر فيتمكن من نقل وزراعة الخلايا الجذعية، لكن يبقى السؤال ما هو مصدر هذه الخلايا الجذعية؟ الأفضل طبعًا أن يكون المصدر من العين السليمة للمريض نفسه كما أخبرني بذلك الدكتور محمود شويل عند زيارته لي في مركز الملك فهد للبحوث الطبية لكن مع أخذ الحرص الكامل والاحتياط ما أمكن على أخذ جزء بسيط جدًا من تلك الخلايا الموجودة في العين السليمة ومن ثم توزيعها على جوانب القرنية عند زراعتها في العين الأخرى وكون مصدر الخلايا الجذعية من نفس المريض فإنها لا تواجه بالرفض أو الحاجة إلى استخدام أدوية مثبطة للمناعة، والمصدر الثاني لزراعة الخلايا الجذعية هو أن تكون من متبرع وفي هذه الحالة يتم تجنب الرفض ما أمكن للزراعة باستخدام المثبطات المناعية، والدكتور محمود شويل في قسم العيون بجامعة الملك عبدالعزيز هو أول سعودي أجرى عملية زراعة القرنية بالإضافة إلى زراعة ما حولها من خلايا جذعية مستمدة من نفس المريض وتحقق بفضل الله على يده نجاح العملية لطفلة في سن الرابعة من عمرها، وهناك اتجاه آخر للحصول على الخلايا الجذعية وهو إكثار هذه الخلايا من خلال زراعتها في المعمل لنفس المريض أو من متبرع تتم دراسة الناحية المناعية له ومن ثم زراعتها بعد إكثارها معمليًا، ولعمل ذلك يتم التعاون بين متخصصي زراعة الخلايا الجذعية من البيولوجيين وأطباء زراعة القرنية وهذا التعاون البحثي هو ما أشرت إليه وما يحتاجه ليس فقط أطباء العيون إنما مستقبل زراعة الخلايا الجذعية واستخدامها في علاج الأمراض حيث التمكن من إعادة برمجة الخلايا الجذعية وفق ما يحتاجه المريض من خلايا خاصة إذا تم أخذ خلايا جذعية من المريض نفسه فإن ذلك يساعد على نجاح زراعة الخلايا الجذعية فيما يخص استخدامها لمعالجة وإصلاح أمراض مختلفة خاصة أمراض سرطان الدم ومنطقة الحوف لقرنية العين، وأود أن أشير هنا إلى أنه لم يتم إلى الآن نجاح استخدام الخلايا الجذعية على الإطلاق في علاج بقية أمراض العين خاصة الشبكية والعصب البصري وما يروج له البعض في معالجة كثير من الأمراض بالخلايا الجذعية ليس إلا من باب المتاجرة كما وضحت ذلك في مقال سابق لي بعنوان «متاجرو الخلايا الحذعية».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store