Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

أوكرانيا وعودة روسيا العظمى

A A
لم يكن مفاجئًا أن تغزو روسيا أوكرانيا، وليس غريبًا أن يكون الموقف الغربي والأمريكي سلبيًا لا يتعدى الشجب والتنديد ونظرية فرض العقوبات الباردة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولن تمنع بوتين عن المضي في إعادة أوكرانيا إلى حظيرة روسيا العظمى الموصوفة بأنها روسيا البوتينية، بل تظهر جدية وعزم بوتين على إعادة مجد آبائه وأجداده القياصرة في السيطرة على نصف الكرة الأرضية من جديد وليكن اسمها الجديد الولايات الروسية المتحدة، ونجاحه في أوكرانيا هو المؤشر في ذلك، وحسب وجهة نظر بوتين فإن الذي يلزم من كل الولايات التي انسلت من حكم الاتحاد السوفيتي السابق وعددها ١٧ولاية أن تعود ويعود ولاؤها لروسيا الجديدة كما هو الحال في بعض منها حيث ملتزمة بالولاء لها وفي ما يفعله في أوكرانيا تأديب للبقية والسمع والطاعة لبوتين ومن رابع المستحيلات أن يتحرك حلف الناتو أو أي دولة أوروبية أو أمريكا صاحبة نظرية العقوبات عسكريًا لأن ذلك قد يكلفهم الكثير من الأرواح والأموال وما دام الأمر كذلك فإن هناك عودة للحرب الباردة وستظهر روسيا كـ(ند) واسم عالمي جديد يضاهي أمريكا، يعني سيصبح هناك قطبان إن لم يكن ثلاثة أقطاب (أمريكا، روسيا، الصين).

إن من أهم نتائج احتلال بوتين لأوكرانيا هو وقف تمدد حلف الناتو وإبطال الأحلام الوردية التي كانت تحلمها أمريكا والعالم الغربي من احتلال مقدرات الدول في تلك المنطقة ناهيك عن ضمها على الأقل سياسيًا إلى منظومة الوفاق الأمريكي الغربي لأن احتلال روسيا لأوكرانيا سيغير من المعادلة مستقبلاً في القوى السياسية المسيطرة على العالم من خلال التحالفات الدولية مع أو ضد كل من أمريكا وروسيا، وسبق لبوتين أن حذر السويد وفنلندا من الانضمام الى حلف الناتو بقوله «أي محاولة الانضمام للناتو فان الرد سيكون عسكريًا وسياسيًا».

وقد يشجع ذلك بعض الدول الموالية سياسيًا لأمريكا أن تغير من سياستها في التوجه للاستفادة من الوضع العالمي الجديد بوجود قطبين يديران العالم وليس أحاديًا تسيطر عليه أمريكا، وفي نظري أن القوتين الأمريكية والروسية لن تختلفا كثيرًا على حسم خلافاتهما بتوزيع المصالح بينهما وفقًا لإستراتيجية جديدة «هذا لكم وهذا لنا» وكما ذكرت سابقًا وأكرر لن تكون هناك حرب نووية نارية سريعة كما يعتقد البعض أو يكتب عنه آخرون مهولين الأمر واصفين أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب وهذا لن يكون لأن العالم اليوم باختلاف مشاربه أصبح عقلانيًا ويهمه تحقيق المصالح بأقل الخسائر وتجربة أمريكا في ما سبق من شن حروب على بعض الدول جعلها أكثر احترازًا كما أن بوتين داهية روسيا العظمى يهمه بالدرجة الأولى عودة ما سلب من إمبراطوريته السابقة وإعادة تركيب ما تفكك منها لوجستيًا وسياسيًا ومن خلالها تتحقق مصالحه دون احتمالية السيطرة القصرية القيصرية أيام الاتحاد السوفيتي التي كانت شيوعية حمراء لا مكان فيها لأي معنى إنساني بعكس ملامح سياسة بوتين اليوم بأنه يحمل تفاهمًا مع الآخر إن كان يريد أن يكون صديقًا مواليًا له أو على الأقل متفاهمًا في تحقيق المصالح المشتركة بينه وبين غيره، والجانب الآخر الذي رامي بوتين أمر الاعتماد عليه في تحركه في حربه ضد أوكرانيا ومستقبلاً ضد بقية دول من استقلت من حكم الاتحاد السوفيتي السابق هو الصين كقوة عالمية مناوئة للغرب وأمريكا فتعاضدهما عسكريًا وسياسيًا أمر يعزز من فرض سيطرتهما وهو أمر قد تهابه أمريكا وحلفاؤها في الغرب ولعل هذا شجع حتى الصين على شن حرب ضد تايوان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store