Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

أوبريت التأسيس.. ورمزية الأمجاد

A A
كم هو رائع وحكيم ذلك القرار الملكي الصادر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز باعتبار 22 فبراير من كل عام مناسبة لذكرى تأسيس الدولة السعودية لاستذكار تاريخ مشرق امتد لأكثر من ثلاثة قرون.. قُدِّم جزء يسير عنه في مناهجنا الدراسية في الصفين الخامس والسادس ابتدائي.. ولكن لم يكن إلا تحصيل حاصل، وربما ذهب في طي النسيان عند الكثيرين؛ فتدريس مثل هذه المواد لابد أن يكون ممن يمتلك مهارة تعميق الشعور بالانتماء الوطني، وكيف يُوقظ في نفوس الأبناء الاعتزاز بهذه الدولة التي قامت على تضحيات الآباء والأجداد في إرساء دعائم الوحدة الوطنية وتأسيس دولة عظيمة. وقد تحقق الهدف من القرار، فما حدث خلال ذلك اليوم 22 فبراير، جعلنا نستعيد جمال التاريخ وقراءته بصورته المشرقة. وقد كان للإعلام دوره البارز في إظهار تلك الصورة ومنها الصحف الورقية وما أعدته من ملاحق، وندوات، وتقارير، وآراء تستحق الشكر والعرفان.. فهي تقف في المناسبات الوطنية كأكبر داعم للوطن.

وأما المساء فكان احتفاءً استثنائياً على جميع المستويات، سواء في العائلة أو في المولات وعلى مستوى المؤسسات الثقافية والأدبية. ولكن اللافت ما قدَّمته القنوات السعودية، وهو (أوبريت التأسيس) في وادي نمار، ومن بوليفارد الرياض، حيث سُردت في قالب مسرحي بانورامي مشاهد قصة ثلاثة قرون بمشاركة 3500 شخص، بمسيرة ولوحات وعروض تضاهي المسارح العالمية.. بما تملكه من إمكانات فنية وتقنية وعروض أدائية في كرنفالات تُعبِّر عن العمق التاريخي لهذه الدولة وبصورة مُحبَّبة للأجيال الجديدة؛ التي اعتمدت على التقنية في التعلُّم.. فتنتقل بالمشاهد من لوحة أولى وهي جدب الأرض واشتياقها للسحاب، فيهطل الغيث من السماء، لتأتي اللوحة الثانية ووصول (مانع المريدي) عام 850هـ، ودعاء يخترق عنان السماء: «اللهم أعني على بنائها وغرسها بما نخدم الناس والمارين بها.. بسم الله وعلى بركة الله»، وتشرق الشمس.. وتتوافق الموسيقى التصويرية مع اللوحات البصرية والمسيرة والريح التي تأتي بالخير بصورة أخَّاذة.. ثم لوحة أخرى للصقور وهي رمزية وصول محمد بن سعود، وتأتي القصائد الغنائية مُكمِّلة للمشهد المهيب على أرض المعركة، ويصرخ محمد بن سعود من الدرعية: «أنتم معي يا رجال؟»، وترفرف راية التوحيد لتعيد مجد الإسلام في تلك البقعة، ونبذ كافة أشكال البدع والتفرقة والتشرذم.

لم يغفل مبدعو المسيرة من لوحة عن المرأة السعودية (سيدات العز)، وبدأت القصيدة بإهداء (لنورة) كأول سيدة سعودية لها بصمات تاريخية في الدولة، وحملت السيدات الأتاريك كرمز للعلم والنور والتمكين. كل ما في المسيرة وهي - عشر لوحات - تجعلك تقف مشدوهاً بروعة التصميم والإخراج من حيث بداية الدولة في الدرعية، وقصر المصمك وحمله في الكرنفال كرمز أساسي في تأسيس الدولة السعودية حين دخل الملك عبدالعزيز القصر وانتصر في معركة الرياض، واللباس التاريخي لجميع مناطق المملكة، واستخدام الإبل كرمز وطني للصحراء، والحصان كرمز للقوة.

بل كانت مشاركة الأطفال في هذا العرس الفني الثقافي حاضرة، فهم رجال مستقبلنا المشرق. وقد تنوعت الرقصات ومن كل أنحاء المملكة ليتماهى الفسيفساء الثقافي حباً وانتماءً للوطن. كما أن القصائد التي قُدِّمت من شعراء الوطن، مثل فهد المساعد، والألحان من (سهم)، والغناء لكوكبة من نجوم الفن محمد عبده، وعبدالمجيد عبدالله، وعايض يوسف، وراشد الفارس.. وغيرهم. واستخدم قرع الطبول والفرق بالبذات العسكرية، ليعطي انطباعاً بقوة الدولة واستعداداتها، فهي سلام وجمال مع الحلفاء، وحرب على الأعداء. وقد زينت الألعاب النارية سماء البوليفارد، ورسمت لوحة أضفت جمالاً على الكرنفال الوطني. وفي المقابل عُرِض على قناة MBC أوبريت (مسيرة آل سعود)، لتُذكِّرنا بالقِيَم التي قامت عليها الدولة، من الكرم، والفخر، والترابط، والوفاء، أيضاً جُسِّدت بلوحات مسرحية تصويرية وغنائية من عدة فنانين. أرى أن يوم التأسيس قد عمَّق جذور الانتماء والولاء، وفهم أكبر للتاريخ الذي غفلنا عنه لسنوات.. نعم أكتب يا قلم، وسطَّر يا تاريخ؛ أن «سلمان بن عبدالعزيز» بحكمتهِ وحنكتهِ قد أعاد للأذهان تاريخ أجداده وأسلافه، ولفت الأنظار إلى أصول وجذور ممتدة في عمق التاريخ. وشكراً لوزارة الإعلام ولهيئة الإعلام المرئي والمسموع التي قامت بدورها الإعلامي لإبراز التاريخ بقالبٍ جذَّاب وشيِّق، لننعم بجمال التاريخ وعمق جذوره ونُردِّد جميعاً: (هذا حنا من بدينا.. الله لا يغير علينا).


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store