* يواجه إنسان العصر الحديث، خيبة أملٍ كبيرة في كلّ ما كان يعده بالخلاص، فالأنظمة السياسية، والثورات العلمية التقنية والصناعية والاجتماعية والترفيهية، وحتى المشاعر الدّينية، فشلت -بشكل عام- في جلب الطُّمأنينة النفسية والاستقرار الروحي.
* يعاني كثيرون من أزمة منتصف العمر، نتيجة صدمةٍ نفسية عميقة أصابتهم في كل ما كان يعدهم بعالمٍ أفضل وحياةٍ أجمل، وتسبّبت في ضياع الآمال وتدمير التوقّعات، والإصابة بالإحباط والنفور من المشاركة في الحياة كما تبدو بتلك الفظاعة الأخلاقية.
* الحيوانات، لا تمتلك مثلنا وعياً وإدراكا مُعتبراً بالحياة والوجود والموت والفناء، يجعلها تتساءل عن أحوال الحياة وتكرار أحداثها ومقاصدها، لذلك فهي تعيش حياتها بتلقائيةٍ وأريحية دون توقّعات، من غير مرارةِ ندمٍ أو خيبة أمل.
* التجارب المؤلمةُ والسعيدة، تجعل الإنسان شغوفاً بالمستقبل، وفي بحثٍ دائم عن السعادة، وخوفٍ مستمر من الألم، لكنه -في معظم الأوقات- لا يمكنه تجنّب خيبة الأمل وسوء المنقلب في الحياة، التي تنتهي بحتميّة الموت.
* من المُفارقات، أن خيبة الأمل، لها أيضاً بعض السِّحر والجاذبية، فهي تعفي الإنسان من ورطة التعلّق.. فكّروا فيها، أحيانًا يكون فقدانُ الأمل، حريّةً جميلة، كما أنّ خيبةَ الرجاء وانتهاء الشغف، من أسباب التحرّر العظيم والخلاص النفسي المنشود.
* تنامي شعورُ المرء باستحقاقه، والتشجيع على المُقارنات بين الأقران، والإفراط في رفع حدّ الطموحات والأهداف، مرتبطة كلّها بخيبة الرجاء، إذ كلّما كبر الأمل، كبر اليأس معه، وكلما ارتفع سقف التوقّعات، تعاظم الشُّعور بانتكاسة الآمال.
* خيبة الأمل، وعلى الرغم من ثقلها على النفس، إلا أنها فرصةٌ لتحقيق واقعٍ مُغاير واتباع أسلوبٍ أفضل في العيش، ومناسبة مواتية للنمو والازدهار بعد فترة من الإحباط والفشل، إنّها إمكانية رائعة للتفلسف العميق واستجلاب الحكمة.
* إيمانك بالقضاء والقدر، وتخلّيك عن توقّعات من الناس، يحميانك من تكرّر خيبات الظن والرجاء.. يقول (غسّان كنفاني): «المخرج الوحيدُ في هذه الدوّامة الموحلة، هو أن يؤمن المرءُ بأنّ العطاء هو المقبول فقط، وأنّ الأخذ غير مرغوب فيه.. أن يعيش الإنسان باذلاً نفسه هو المقابل ولا مقابل سواه.. إنني أحاول أن أصل إلى هذا الإيمان، أو أنّ الحياة تصبح بلا هذا الإيمان شيئًا لا يُحتمل على الإطلاق».
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
