Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

العلة «وراثية» والمرض ليس «وراثيًا»!

A A
وضحت في مقال سابق بعنوان «الوراثة وما فوق الوراثة» أنه ثبت علميًا وبحثيًا أن هناك تدخلًا كبيرًا في التحكم في الجينات من خلال عوامل بيئية وخارجية مثل التغذية السيئة ونظام الحياة (نوم، رياضة، ضغوط حياة....)، وأن الأمراض بالتالي لها أسباب أخرى تتحكم في توجيه جياناتها وليس فقط جينية (وراثية) بحته تنطبع كدمغة في حياة الإنسان، صحيح أن الأمراض مرتبطة بتغير جيني على مواقع الكروموزومات وأن مسبباتها علل جينية وهي مورثاتها وبالتالي نقول هنا إن العلة وراثية لكن ليس كل الأمراض التي نشاهدها هي متوارثة من الأباء والأمهات بل ربما تكون بسبب تاريخ العائلة الوراثي فمثلا باركنسون كمرض إلى الآن لم يثبت انه وراثي أي ينتقل من الأجداد أو الاباء الى الأبناء على ان «علته» (سبب عطبه) وراثي أي أنه مصاب في جيناته، في المقابل هناك أمراض علتها (سببها) وراثي وفي نفس الوقت هي مرض وراثي ينسل من أحد الوالدين أو كليهما وأشهر هذه الأمراض ما له علاقة بأمراض الدم مثل الثلاسيميا، وهناك أمراض سببها وراثية لكن يتحكم في أحداثها أسباب أخرى تحرضها، إن بعض الأمراض السرطانية بالإضافة إلى أنها علة وراثية وسببها أن جيناتها متوارثة إلا أن الذي يسرع في تنشيط جيناتها عوامل أخرى، ومثال ذلك سرطان الرئة فإن الذي يسرع في إظهاره هو تعاطي التدخين كما أن أمراض مثل السكري النوع الثاني والضغط مع أنهما إلى حد بعيد يظهران بسبب عامل وراثي إلا أنهما يمكن التحكم بهما أو بمعنى آخر يمكن تأخر الإصابة بهما وفقًا لنظرية ما فوق الوراثة وبهذا فإن الأمر بين أسباب الأمراض وظهورها يتراوح بين كون بعضها أساسًا هي وراثية متنقلة من جيل إلى جيل وبين بعضها علة وراثية فقط ولكن ليس سببها أنها متنقلة من جيل إلى جيل آخر.
إن التشخيص من بعض الأطباء من خلال تاريخ المرض لدى العائلة وتحديد أن المرض وراثيًا فيصرف له العلاج دون محاولة الأخذ بأسباب الحد من المرض بالعوامل المؤثرة على الجينات وهذا يتضح تمامًا في مرضي السكري والضغط وبالتالي المعاملة العلاجية للمرض ليست دقيقة أو صائبة، كذلك هناك أمراض أسبابها طارئة فتعرض جهاز المناعة مثلاً لأي مؤثر خارجي يجعله يتصرف أحيانًا تصرفًا هجوميًا على بعض مكونات وتركيبات أنسجة الجسم فيصيبه بمرض مناعة ذاتي Autoimmune disease وهو بذا ليس وراثيًا أو أن سببه جيينًا وراثيًا وهذا لا يعني أن لا يؤخذ بتاريخ المرض في التشخيص ولا يستدل به على المرض ليس الأمر كذلك إنما لا يستعجل في التعامل مع المرض، وفي اعتقادي أن استبعاد استقصاء تاريخ المرض لدى العائلة في البداية يمنح دقة في التشخيص خاصة في الأمراض المتشابهة الأعراض سيما ونحن في عصر التقنيات الحديثة والأجهزة الجديدة والخارطة الوراثية للأمراض التي تكشف عن جديد الجينات المسببة للأمراض جعلت من السهل التعرف على الأمراض الوراثية خاصة ما له علاقة بالتشوهات الخلقية في سن مبكر من عمر الأجنة وهي في الأرحام وبالتالي الاستعداد المبكر لعلاجها وبعض الأمراض الوراثية التي تظهر على الأطفال في سن مبكرة يمكن التعامل معها بتعديلها مما يجعلها تتراجع في الظهور أو اختفائها في مستقبل الأجنة والعكس أحيانًا يحدث ليس في تاريخ العائلة صفة معينة ولكن قد تظهر على الجنين مثال ذلك لون البشرة حيث يظهر طفل لونه أسود والعائلة ليس بينها هذا اللون، وقد ورد في الصحيحين البخاري ومسلم «عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يارسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود؟ قال: هل لك إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورق؟ يعني أسود، قال: نعم، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ما ذكره هو الصواب في الفهم الوراثي وتناقل الصفات الوراثية سائدة أو متنحية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store