Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

معراج مرزا.. من المحلية إلى العالمية

A A
في عرس ثقافي مكي، أقام مؤخراً مركز تاريخ مكة التابع لدارة الملك عبدالعزيز ليلية احتفائية لتكريم العَلَمْ الجغرافي الدكتور معراج بن نواب مرزا، وحقيقةً كانت لفتة تليق بمكانة الرجل كعالم بجغرافية وتاريخ أقدس بقعة على وجه الأرض، مكة المكرمة، فالتكريم في الحياة لا بعد الرحيل، قمة الوفاء.

وهذا ليس بمستغرب على الدارة التي تمثل القيادة الحكيمة باهتمامها بكل ما يخص مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. وقد كان لقاءً علمياً شارك فيه نخبة من الأكاديميين وخبراء الجغرافية، وذلك بقاعة الملك عبدالعزيز التاريخية بجامعة أم القرى.

وقد افتتح اللقاء بكلمة ضافية من معالي الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري، الأكاديمي والمؤرخ والباحث، الذي ألَّف الكثير من الكتب عن الملك عبدالعزيز، ولعل أشهرها مشاركته في موسوعة تاريخ الملك عبدالعزيز الدبلوماسي 1414هـ؛ حيث أنصف الضيف بما قدَّمه عنه من معرفته به كأب متميِّز في صناعة الأسرة، وكباحث ترجم كتابه (أطلس مكة) للغة الإنجليزية، حيث استقبلته جامعة هارفرد كزائر، وكرَّمته. ومن وجهة نظري لم يكن ذلك الاستقبال والتكريم إلا لعلمه عن بقعة التراث والحضارة والتاريخ، والتي يسمع بها العالم أجمع، فكان الشرف لهذا الرجل العَلَمْ أن يوصل رسالة الإسلام إلى العالم، وأنها أول بقعة تشكَّلت في الأرض، ثم دحت الأرض بعدها دحاً.

الاحتفالية كانت علمية بامتياز، فمن تم استضافتهم كوكبة من الأساتذة؛ وهم أ.د. رمزي الزهراني، ود. حسن حزمي، وأ.د. نزهة الجابري، وإدارة المؤرخ د. فواز الدهاس. وأعتقد أن مثل هذه اللقاءات ملهمة للشباب بالاستفادة منها في تطوير الذات.

استمتع الحضور بما قُدِّم عن هذا العَلَمْ المكي، والإجماع على أنه شخصية فذَّة منذ أن كان طالب علم في الثانوية، فجمعه للصور والخرائط عن مكة، وكيف قام بتطويرها باستخدام التقنيات الحديثة، جعله متميزاً فذًّا في مجالهِ. وقد ركز اللقاء على الجوانب الاجتماعية، والعلمية، والتعليمية، فعلى الجانب الاجتماعي؛ علاقته ورحلاته إلى سيول، وموسكو، وسان دايجو، فأبهرهم بشخصيته المتواضعة الشغوفة بالعلم، وتناوله للعلم في المؤتمرات الدولية بكفاءة واقتدار، حيث شارك في المؤتمر الجغرافي في شيلي عن الواقع المُعزِّز في (أطلس مكة المكرمة)، وكذلك من مؤتمر الاتحاد الجغرافي الدولي في صنعاء 1998م، حيث استحوذ على اهتمام رئيس المؤتمر السويسري الجنسية، وأُعجَب به إعجاباً شديداً، ودعاه إلى مؤتمر آخر في سنغافورة.

كما تناول اللقاء الجوانب العلمية والتدريسية، ونلاحظ أن مَن قدَّموا اللقاء هم من طلابه، الذين استقوا علمه، وأدبه، وأخلاقه وطرائق تدريسه ومنهجه، فكان لهم القدوة الحسنة خلال المراحل الجامعية، فهو بالرغم من قلة الوسائل التعليمية في تلك الفترة في الجامعة، كان يجر عربة عليها وسائله السمعية والبصرية، من خرائط وصور وبروجكتور، وأيضاً أدخل الإنترنت للتوضيح والتواصل الخارجي، واستخدامه لطرائق وأساليب التدريس الحديثة، كالرحلات التعليمية، والعصف الذهني، والتفكير الإبداعي لتحقيق نواتج تعلُّم عالية.

ثم ما قدمه كباحث ومؤرخ من دراسات مستفيضة، منها: الأطلس المُصوَّر لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة الرقمي، وكذلك (مكة المكرمة من السماء.. الماضي والحاضر)، حيث أودعت النسخ الإنجليزية في أحد أهم وأكبر المكتبات الوطنية البريطانية، وبه توثيق عميق لمكة المكرمة، وتم تحديثه ووضع QR لربطهِ بالجغرافيا الرقمية، وغيرها من البحوث. كما تطرق المشاركون لإخلاصه لمهنته، ووضعه بصمات مميَّزة لقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى، وأن رحلاته لمختلف قارات العالم قد وسَّعت من القاعدة الجماهرية له، وما كان يجده من حفاوةٍ وتكريم من أوساط العلماء، فضلاً عن استقبالهِ للحجاج في منزله، وعرضه لأجمل الصور عن مكة وتاريخها.

وفي كلمته الضافية قدَّم شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ولسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، ولسمو أمير المنطقة خالد الفيصل، على ما أولوا مكة المكرمة وساكنيها وقاصديها من الزوار والحجاج والمعتمرين من عنايةٍ كبرى.

أعتقد أنَّ سر نجاح هذا العَلَمْ المكِّي وصعوده من المحلية إلى العالمية هي: القراءة لأمهات الكتب أولاً، ثم حماسه منقطع النظير للعمل، وحُبّه وشغفه، بالإضافة لأمانته وإخلاصه وعشقه لمكة، بيت الله الحرام، فأعطاه الله ثواب الدنيا، وبإذنه تعالى ثواب الآخرة كقدوة يقتدى بها جيل اليوم للوصول للعالمية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store