Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الجار ليس مجرد جدار!

A A
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثًا، فقال: اذهب فأطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه، فعل الله به، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئًا تكرهه، رواه أبو هريرة وإسناده جيد.

إن حقوق الجار حقوق عظيمة في الإسلام، وكان عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يؤكد على عظم حق الجار وأهميته لأن الجار ليس مجرد جدار.. بدليل قوله عليه السلام (لا يزال جبريل يوصيني بالجار حت ظننت أنه سيورثه)، أي يجعله في مرتبة القريب الوارث، ولذلك من أقسى الحاجات الاجتماعية أن ينام جار وهو شبعان وله جار يتلوى من الجوع لظروف صعبة يمر بها ومما نهى عنه الشرع أن يرى أبناء جارك شيئًا من متع الدنيا عند أبنائك تكون فيه مكايدة للصغار مثل الفاكهة أو الحلوى والآيس كريم أو الألعاب لأنه لا يعلم بحاله وحال حاجة أولاده إلا الله.

ومن العادات السيئة أن ترى جارًا لك ولا تسلم عليه أو لا تبادره بالتحية، والأسوأ خلقًا أن يبادر هو بالتحية ثم تتجاهله ولا ترد عليه، ومن الجيران من إذا رأيته لا ترى منه إلا وجهًا عبوسًا كالحًا كأنه قطعة فحم سوداء، ولولا حق الجيرة لتعوذ جاره بالشيطان الرجيم منه، فلماذا هذه النماذج من الجيران ولماذا الشكوى من الجار؟ أعتقد أنها حالات شاذة في المجتمع وإنما الأصل عكس ذلك.. إن التقارب بين الجيران إنما يكون بتفعيل المبادرات الجيرانية إما من خلال المسجد لأن للمسجد دورًا اجتماعيًا يجب أن يظهر على رواده وليس للعبادة فقط أو يكون بالتعرف على الجار من خلال عرض تقديم بعض الخدمات والمساعدات وهذا فن من فنون الشخصية الاجتماعية، صحيح هناك عزوفًا كبيرًا جدًا عن تحقيق التلاقي في البيوت والبعض يعتبر الزيارة حملا ثقيلا، لذلك نجد ان الصوالين رغم كبرها واتساعها تشتكي عدم دخولها ما عدا في العيد فيتراكم عليها الغبار.

الحل بالمبادرات وبالمساجد وبمراكز الأحياء والقروبات الاجتماعية والزيارات المجتمعية وكذلك بتحرك النساء بالسؤال عن الجارات وبكبير الحارة وإمام المسجد والدعوة إلى دراسات اجتماعية لمعرفة الأسباب، وهناك بفضل الله أحياء ناجحة وجيران ناجحون في تحقيق اللقاءات والاجتماعات كما هو حاصل في حي النهضة وأحياء أخرى مشابهة يتم بعض أداء حق الجار من خلال المسجد والبعض الآخر في مراكز الأحياء التي اثبتت جدارتها فِي هذا الاتجاه ومع انها حلا بديلا للتعارف بين الجيران إلا أن كل جارٍ يجب أن يسأل عن جاره، ومن تعرف على جيرانه وأدى الحقوق لهم فقد اعترف بفضل الله عليه أنه قام بحق الجار وأطاع ربه ونبيه حيث قال الله تعالى (والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب)، وسدد سهمًا مباركًا في حق إنسانية جاره فالجار ليس مجرد جدار إنما هو وأهله يستحقون كل مشاعر الود والاحترام والسؤال عنهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store