Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

دار الفنون الإسلامية.. و«الصيرفي» أيقونة الكفاح

A A
تعتبر المتاحف والمعارض من أهم الوسائل الثقافية لحفظ التراث الإنساني والهوية التاريخية للمجتمع، والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. وقد سعدتُ وتشرفتُ مؤخراً بزيارة متحف (دار الفنون الإسلامية) بجدة «بارك»، وذلك بدعوة كريمة من سعادة المهندس «أنس صيرفي» المسؤول الأول في المتحف.

ودُهشتُ بما شاهدتُه من مقتنيات تاريخية لفنون إسلامية ضاربة جذورها في عمق التاريخ، وامتدت عبر الحضارة الإسلامية، لتكون شاخصة ومعبِّرة عن حضارة المسلمين. وهي فنون تشمل كافة البلاد الإسلامية التي وصل لها الإسلام، من الهند وآسيا الوسطى شرقاً، إلى الاندلس والمغرب العربي غرباً، ومن إقليم القوقاز وصقلية شمالاً، إلى بلاد اليمين جنوباً.

ويضم المتحف أكثر من ألف قطعة فنية إسلامية منسَّقة وفق المعايير العالمية، من حيث التنظيم، والإضاءة، والتسلسل التاريخي، وهو مُقسَّم الى عدة أقسام رئيسية، فهناك جناح الخزف والزجاج، وجناح المعادن الإسلامية، ثم السكوك الإسلامية، وجناح الخط والمخطوطات الإسلامية النادرة من القرآن الكريم، التي يصل تاريخها إلى القرن الثاني الهجري، وبعضها مكتوب على (الرق)، ثم هناك جناح الأقمشة الإسلامية، الذي يُركِّز على المنسوجات الإسلامية التي استخدمت في كسوة الكعبة والحجرة النبوية الشريفة عبر التاريخ.

كما أدهشتني ثقافة الموظفين والموظفات والمسؤولين في المتحف، فمعظمهم من المهتمين بالتاريخ الإسلامي، وهو بذلك يُقدِّم فرصاً وظيفية لأبناء المجتمع، فبالإضافة إلى أن يكون المتحف أداة تثقيف وتعليم وترفيه، فهو محضن للأيدي العاملة السعودية في واحدة من أهم مجالات سوق العمل.

بل أذهلني الجزء عن الشيخ «صالح صيرفي»، والذي حرص المهندس «أنس صيرفي» أن يكون هو المرافق لي بالشرح والتوضيح لمهنة الصرافة التي اشتهرت بها أسرته الكريمة عبر أكثر من مائة عام، فقد دأبت هذه الأسرة في توارث مهنة الصرافة، وأخذها جيلاً بعد جيل. وكم هي جميلة تلك السجلات التي تختصر الكثير من أساليب الإدارة الناجحة، ومنذ عام 1472هـ، وبخط يد جميل ومنسق باسم الشخص والمبلغ والتاريخ، وأرقام متسلسلة، مما يدل على فكر مالي - إداري مُنظَّم لشخصيات لم تلتحق بجامعات، ولكنه الفكر التنظيمي وحفظ الحقوق والأمانة، وهو موروث الأبناء عن الأجداد في مهنة الصرافة.. وهي المهنة التي يُحوَّل فيها أموال الحجاج والمعتمرين من عملات بلادهم، مثل الريال الفرنسي - الإنجليزي أو الريال المجيدي أو الروبية الهندية.. وغيرها، إلى الريال السعودي، والمكسب هو فرق السعر في هامش البيع والشراء للعملات، ويصل في تلك الأيام إلى ربع أو نصف قرش، وفي أحسن الحالات قرش بأكمله. ومن هذا الرزق الحلال البسيط الذي يفترش فيه (الصيرفي) دكّانه من الفجر وحتى غروب الشمس، تحقَّق النجاح من الكفاح.

وفي نهاية المطاف أهداني سعادة المهندس «أنس»؛ مجموعة قيِّمة من الكتب عن مكة، ومن ضمنها كتاب (صالح صيرفي، رحلة الكفاح في الصرافة والأعمال)، للمؤلف «سعود بن عبدالعزيز التويم»؛ وحقيقةً هو كتاب علمي ممتاز لاعتماده على مصادر موثوقة من أرشيف، ومذكرات، ووثائق، وصكوك مهمة جداً، تبرز رحلة الكفاح لصالح «صيرفي»، من بداية متواضعة إلى رجل أعمال وصاحب بنك البلاد، ومالك للصيرفي ميجا مول.. إنها الأمانة والصدق والوفاء، وخوف الله في السر والعلن، هي رأس المال الحقيقي، بل واهتمامه بالجوانب الاجتماعية والإنسانية والعلمية، فقد أسس كرسي «صالح صيرفي» لأمراض القلب بجامعة أم القرى، وله الكثير من الأعمال الخيرية من باب المسؤولية الاجتماعية للتنمية الوطنية، فأسس مؤسسة «صالح صيرفي» الخيرية، ودعم جمعية الأطفال المعاقين، وساهم في ترميم المقابر؛ ومنها مقبرة المعلاة، ومقبرة الجموم، ومقبرة أمّنا حواء، كما دعم إعمار المساجد، وأبحاث السيرة النبوية، وتعزيز ثقافة الطوافة من خلال إنشاء مكتبة المطوف، وتجميع وترميم 250 ألف مخطوطة إسلامية، يمتد تاريخها إلى 600 عام للهجرة. هذه القصة الملهمة عن هذا الأيقونة المكية «صالح صيرفي»، لابد أن تُدرَّس في المناهج الدراسية، ليكون أنموذجاً في الكفاح والعمل والنجاح. بل لا بد أن تهتم إدارات التربية والتعليم بعمل رحلات طلابية تعليمية وتثقيفية للمتحف.

وأن يُخصَّص له من قِبَل هيئة المتاحف جائزة، كجزء من مبادرة الجوائز الثقافة لتعزيز التراث الإسلامي واطلاع الأجيال عليه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store