Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

المدير الصغير والكرسي الكبير

A A
درست نظرية «الموظف الصغير والكرسي الكبير» في مادة نظرية التنظيم في الجامعة على يد أستاذ متخرج من جامعة أمريكية مرموقة، وشرح لنا كيف يتصرف المدير الصغير الذي يرتعش على كرسيه خوفاً من انكشاف جهله، وبعد سنوات كتبت مقالاً نشرته في صحيفة عكاظ بعنوان «الإدارة بالأقزام»، والتقزم ليس في الأجسام وإنما في العقول والتصرفات، فالقزم يمثل أنه طويلا، أما الكبار فمعروفون بأفعالهم وقراراتهم التي تحل المشاكل.

ذكر استاذنا في تلك المادة: أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السابق -رحمه الله- خير مثال على الذي يملأ كرسيه بجدارة ويكون قيادياً واثقاً في نفسه، وتصدر عنه قرارات عقلانية متوازنة ويبهر من حوله بأقواله وأفعاله وقراراته وتواضعه وعفويته وحبه لمساعدة الناس، مجسداً قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أحسن إلى الناس تكن أميرهم».. وشعر المتنبي:

وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

وسعود الفيصل كان أميراً بنسبه وأفعاله -فهو ابن الملك فيصل العظيم بلا القاب- وأميرًا بفعل الخير وحب الناس له.

ومنذ مدة تذكرت مقالاً للدكتور غازي القصيبي في صحيفة الوطن «الموظف الصغير والكرسي الكبير»، ذكر فيه: عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير يحس بالفراغ الشاسع فيحاول أن يملأه بالحركات المدروسة والإيماءات المصطنعة وبالعبارات المطاطة الغامضة التي تعني كل شيء ولا شيء، ومع هذا يبقى الإنسان الصغير صغيراً.

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير ينتابه هلع شديد من أن يرتكب خطأ يؤدي إلى قلعه من الكرسي، فهو يفكر ألف مرة ويتردد ألف مرة ويتراجع ألف مرة قبل اتخاذ أبسط القرارات.. ويتوقف العمل ويظل الكرسي الكبير ثابتاً، ويظل الإنسان الصغير صغيرًا.

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير يخاف أن يكتشفه الناس.. فيحتجب عنهم ويختفي وراء المعاملات المعطلة، ويتعامل مع الدنيا بأسرها عن طريق «التسلسل الإداري»... ومهما خدع السذج فإنه يظل صغيراً. عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير، تعمى عيونه عن رؤية الأشخاص الحقيقيين فلا يرى من حوله (بشرًا) ولا يهمه سوى الكراسي، فهو.. في حالة تزلف شديد للكراسي الأكبر، واحتقار شديد للكراسي الأصغر، أما البشر بعواطفهم وصداقاتهم وحرارتهم وأحزانهم، فلا مكان لهم.. (في عالمه الخالي من الضمير والإنسانية).

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير لا يطيق أن يرى حوله إلا من هو أصغر منه وعلى كرسي أصغر من كرسيه، وشيئاً فشيئاً يرتحل الكبار، ويتضاعف الأقزام..، يصبح صاحبنا أكبر المجموعة التي حوله، ويصبح كرسيه أكبر الكراسي، ولكنه.. يبقى إنسانًا صغيرًا.

قبل سنوات حدثت الأمير خالد بن سعود بن خالد عندما كان مساعداً لوزير الخارجية في موضوع، وقابلني بابتسامة وتواضع وسمع ما عندي، ووجه بتوجيهات قوية، ثم علمت أنه أخبر الأمير سعود الفيصل بحالي زيادة في الاهتمام وبدون أن أطلب منه (وفقه الله حيثما كان).. في المقابل عندما أتذكر موظفاً آخر -حلو اللسان قليل الاحسان- عندما يقصده مواطن في أي موضوع، لا يبالي قائلاً: إحنا مرجعنا الوزارة.. حتى القرارات الروتينية لا يتخذها إلا من خلال طلب التوجيه من الوزارة في كل صغيرة وكبيرة، فهو يتوهم أن هذا ذكاء منه لكي يتهرب من المسؤولية ولا تنكشف قدراته الهشة.. وكل ما قاله الدكتور القصيبي ينطبق عليه.

غيرك ما طلع لفوق.. ما للإدارة بعدك ذوق.... وابصم لك على العشرة!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store