Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

في فلسفة الألم

A A
يتّفق (فرويد) مع (أرسطو) في أنّ الإنسان لا يسعى في الواقع إلى تحصيل السعادة، إنّما إلى تجنّب الألم، وبهذا، يجب على الإنسان أن يكونَ مُمتناً للذة والسّعادة في أهمّ صورها وضوحاً وتواضعاً، وهي غيابُ الألم.

إنّ تاريخ البشر في حقيقته حلقة مُفرغة من النشوء والانهيار، بدوافع الخوف من الألم، والرغبة في اللذة، ونتيجة لتلك الرغبتين، تُبنى الحضارات، ثمّ تُهدَم.

نحن ننتبه للألم ونتوقف عند تفاصيل المعاناة والأوجاع، أما السّعادة فنتركها تمرّ مرورا عابرا، بل يبدو أنّ حياتنا التي نتذكّرها، عبارة عن فواصل الألم وذكريات الأسى، أكثر من لحظات البهجةِ والسُّرور. ومن خلال آلامه، يتعرّف الإنسان على نفسه، وعن طريق خبرات أوجاعه، يستكشف قدراته ويتعلّم أهم دروس حياته، ومن رحمة الله بنا، أنّ عقولنا لا تُراكم الآلام المتفرّقة، فتترك بذلك مجالا للتأثر المُستقلّ بآلام جديدة، وإلا لمات الإنسانُ من تزاحم التفاصيل المؤلمةِ الصغيرة، وتكدّس الصّدمات الطفيفة.

تظهر حقيقةُ الحياة على شكل معاناةٍ دائمة، فالألم يُعدّ الأصلُ.. وما السّعادة سوى تعامل صحّي مع استمرار الألم وخيبة الأمل.

وفي أثناء تقدّمه في العمر، يبحث الإنسان عن الطمأنينة ويرضى بالسّكينة، ويتوق فحسْب إلى غياب الألم والشقاء، وليس إلى حضور اللذّة والبهجة. يتّفق (فرويد) أيضاً مع الإمام (الغزالي) في أنّ العزلة عن الناس، من أجود وسائل الحصول على السّعادة وراحة البال، من خلال تجنّب الألم الناتج عن مخالطتهم. العجيب، أنّ الألم يبدو ضرورةً لظهور الإبداعات وتجلّي الحكمة وإنتاج المعرفة، فهذا على سبيل المثال رأي (نيتشه) و(دوستويفسكي).

تقول الكاتبة (إدنا أوبراين): «الكتابة تخرج من الآلام، من الأوقات العصيبة، عندما يكون القلبُ مجروحا». التجارب المؤلمةُ والسعيدة، تجعل الإنسان شغوفاً بالمستقبل، وفي بحثٍ دائم عن السعادة، وخوفٍ مستمر من الألم، يقول (شوبنهاور): «إنّ الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل، وكلتا الحالتين تفرضان الشّقاء على الإنسان»، أي أننا نتألّم بسبب عدم حصولنا على الشيء، ونتألّم أيضا لخوفنا من فقدانه!

يقول (بوذا): «كلّ شيء يؤلم.. كلّ شيء لا يدوم». وعموما، يا صديقي: الألم يكمن في الإدراك، فغياب الوعي لا يُسبِّب أي آلام، «ومن أجل أن يُنصِّب المرء نفسه حاكماً وقاضياً، يجب عليه أن يكتسب حقّ الحكم بما يقاسي من الألم».. هكذا قال (دوستويفسكي).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store