Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

هل العام المقبل دراسة في رمضان؟!

A A
‏بدايةً، أُهنئ ‏القرَّاء الكرام بعيد الفطر المبارك، وأسأل الله أن يُعيده على الوطن والأمتين العربية والإسلامية وهما يزدانان بالخير والرخاء. والحمد لله الذي أعاننا على صيام وقيام الشهر الفضيل، وانتصرنا فيه على الذات والملذات. كما أشكر معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ الذي أصر على موقفه في الدراسة في رمضان حسب خطة الوزارة الإستراتيجية لهذا العام والأعوام المقبلة، بالرغم من نداءات بعض من مشاهير الغفلة بإلغاء القرار، واعتبار رمضان إجازة، مثله مثل السنوات الأربع عشرة ‏السابقة، والتي كانت في فصل الصيف، وتحتسب من الإجازة الصيفية. بل بعضهم للأسف تحدّث دون مراعاة لمصلحة أبنائنا، حيث تحدَّثت ‏إحدى السيدات -وغيرها كثير- قائلة: «نحن شعب نحب الرفاهية، ما نبغى ندرس في رمضان»!.. وحتى لو كانت وجهة نظر، فلابد أن تُطرح بمنطق وحوار هادف وإقناع، وليس مجرد كلام يدل على جهل بخطط الوزارة.

ولكن السؤال المهم: لماذا كل هذا الرفض للدراسة في رمضان، وقد كانت منذ قيام إدارات التربية والتعليم منذ 70 عاماً، وإن كانت ظروف خاصة أحاطت بها لسنوات، فلا يعني أن تستمر طوال العمر لا ندرس في رمضان!.

‏ولكن ما هو الصوم؟، ولماذا شُرع؟.. الصوم وإن كان عبادة ‏التقرب إلى الله، فهو مدرسة تُعلِّم الإنسان الصبر؛ وهو تدريب مادي ومعنوي وروحي لتعليم الإنسان مُجاهدة النفس ومقاومة ‏الأهواء في الطعام والشراب وغيره، في أوقات مُحدَّدة، والشعور بالفقراء والمساكين، وكيفية التعاطف معهم بالصدقة، بل هو يدعم الأخلاق الحميدة؛ فإذا سبّه شخص فليقل إني صائم..

وهذا فيه قهر للشيطان الذي يجري مجرى الدم في الإنسان. بل يُعلِّم الإنسان النظام والانضباط ومراقبة الله في الظاهر والباطن. وهو شهر تتوحَّد فيه مشاعر المسلمين من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى أقصى مغربها، والكل صائم ويعمل ولا إجازة، وجميع موظفي الدولة والقطاع الخاص وغير الربحي يعملون، فهل يعلم الآباء والأمهات هذه القيم الأخلاقية حتى يغرسوها في نفوس أبنائهم، بدل أن يُطالب بعضهم بأخذ الإجازة!!

هناك معارك تاريخية عظمى حدثت في رمضان، منها غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون في 17 رمضان، فكم من المجاهدة في هذه المعركة، وكم من التعب والمشقة، ولكنه الإيمان بالله والعقيدة الصحيحة ومجاهدة النفس، وكذلك حرب أكتوبر التي حُرِّرت فيها سيناء من اليهود الغاصبين بتوجيه ‏من الملك فيصل -رحمه الله-. كما أن جنودنا البواسل في الحد الجنوبي يدافعون عن الوطن بجسارة وشجاعة، والمهنيون في كافة قطاعات الدولة؛ من المهندسين والأطباء، والصناع، وعمال النظافة وغيرهم، يجاهدون في العمل في هذا الشهر الفضيل.. فلماذا التدليل للجيل الجديد!؟ ‏وكيف سيشعر بقيم الصوم وهو نائم؟!، ناهيك عن تفويت صلوات الظهر والعصر، فمعظمهم لا يستيقظ سوى المغرب!!.

أهم ما في الموضوع ‏هو تنظيم الوقت، فحينما يصبح ليلنا هو نهارنا، حتماً يصبح نهارنا ليلاً، ويصبح النوم والتعب هي سمات الوجوه!! مهمة التربية والتعليم هي تغيير السلوكيات الخاطئة، وضبط إيقاع الحياة بما يُحقِّق مقاصد الشريعة الإسلامية. إذن مفاهيمنا الخاطئة عن رمضان وغياب حكمة الصوم والعمل وعدم الوعي بالعملية التربوية والتعليمية، وأن الصوم جزء من التدريب العملي للطالب على قوة التحمل، ومجاهدة النفس والحياة، وأهمية ضبط الساعة البيولوجية، وجعل الليل لباسا والنهار معاشا كما يريد الله سبحانه وتعالى.

‏نريد شباباً بقوة علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد الذي قاد الجيوش وعمره 17 عاما، ومحمد الفاتح الذي فتح بلاد السند وعمره 18 عاما، نعم هؤلاء الذين تربُّوا في مدرسة النبوة.. فأخرج جيلاًً قوياً تهابه قوى الشرق والغرب.. فهل نعي بأن الدراسة في رمضان هي جزء من منظومتنا التربوية والتعليمية لبناء جيل قوي؟.. أم سنعود العام المقبل لنفس الأسطوانة ونقول: «لا دراسة في رمضان»؟!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store