Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

«الجنين المجمد».. من والده؟!

A A
في إحدى الدول الغربية جمدت امرأة جنينًا لها في مراحله الأولى بعد أن أخذت من زوجها حيوانات منوية واحتفظت بالجنين المجمد في أحد المراكز ثم مضت الأيام وتطلقت من زوجها والجنين لا يزال مجمدًا، وبعد فترة ذهبت إلى المركز الذي يحتفظ بالجنين المجمد وطلبت أن يعاد في رحمها لتحمل به بعد ذلك طفلاً بعد تسعة أشهر وتواجه الحياة بطفل ليس له أب أثناء ولادته لأن عقد الزوجية مفسوخ بالطلاق، وعندما عرض الموضوع على القضاء وجد القضاء أنه أمام مسألة جديدة ليس حملاً شرعيًا بعقد زوجية وليس حملاً سفاحًا لأنه ليس زنا، هذه واقعة حدثت فعلاً فمن والد هذا الجنين المجمد؟

وقد تقع نفس الإشكالية للمرأة التي احتفظت بأجنتها لفترة طويلة وتوفي عنها زوجها ثم عادت واستخدمت الأجنة وحملت وأنجبت طفلاً فمن والد هذا الطفل المجمد؟ وكيف ستكون علاقة هذا الطفل بمن كان زوج أمه في حياته ثم هو يخرج إلى الحياة ولم يصله أي شيء من ورث كان من المفترض أن يكون له منه نصيب لو كان والده حيًا ناهيك أنه سيكون بدون هوية لأن أباه متوفى ويكون الإشكال أكثر تعقيدًا لو أن أمه تزوجت بعد وفاة زوجها الأول وكان عقيمًا أو حتى غير عقيم فاستخدمت أجنتها المجمدة للحمل فمن هو والد هذه الأجنة المجمدة؟ ولم يكن لهم من بد من إلحاق الأطفال بالأب الجديد.

وهكذا هي سلسلة من الإشكاليات القضائية التي يفرزها الاحتفاظ بالأجنة البشرية مجمدة في البنوك ومثل هذا وغيره كثير تكون هي إفرازات تجميد الأمشاج حيوانات منوية أو بويضات في البنوك، ولقد أعجبني كتاب بعنوان «تجميد النطف في الفقه الإسلامي» لمؤلفه الدكتور عبدالمجيد بن عبدالله اليحيى، وفيه تفصيل للحالات التي يمكن أن يكون فيها حفظ النطف المذكرة والمؤنثة، وقد ذكرت في مقال لي سابق بعنوان «بنوك البويضات عبث بالأنساب والجينات» مؤكدًا أن لا حاجة لإنشاء بنوك للبويضات أو الحيوانات المنوية أو الأجنة المجمدة إنما المسموح به شرعًا هو حفظ مؤقت للبويضات أو الحيوانات المنوية لعلاج حالات العقم أو حفظ لمدة أطول عند الإصابة بالسرطان أو جراحة إزالة الخصية أو المبيض ودعت الحاجة للمعالجة بالأشعة أو الكيميائي فتحفظ لاستخدامها مستقبلاً في الإنجاب عند الزواج وهي أهم الحالات المشهورة التي تبرر الحفظ، أما تجميد الأجنة والاحتفاظ بها فأمر غير مبرر ويترتب عليه أمور مستقبلية خطيرة أهمها ضياع هوية الأطفال بعد اكتمال تكوين تلك الأجنة المجمدة بسبب الخلط بين تلك الأجنة المجمدة في الأوعية الحافظة أو بسبب فسخ عقد الزوجية بطلاق أو خلع أو وفاة أو غير ذلك من أمور الحياة.

إن الذي يمكن قبوله في بعض المجتمعات الغربية في الاحتفاظ بالأجنة مجمدة لا يمكن قبوله والتسليم له في المجتمعات المسلمة لأن بنوكها تصدر أجنة تخرج للحياة تبحث عن آبائها ومن هو والدها وفي ذلك تضييع للأنساب وإنتاج أطفال مجهولي الهوية، فيجب أن تكون هناك قوانين صارمة على المراكز التي تقوم بعمليات أطفال الأنابيب بحيث يتم التخلص من جميع الفائض من الأجنة المجمدة بعد الانتهاء من أي عملية لإحداث الإخصاب الخارجي أو الداخلي لإنتاج أجنة أطفال الأنابيب ومعالجة حالة العقم المسموح بها شرعًا، وأن يتفق على وقت محدد لإبقاء الفائض منها سواء حيوانات منوية أو بويضات أو أجنة مجمدة، ومن حق كل من يجري عملية أطفال الأنابيب أن يعرف تفاصيل ما تبقى من الحيوانات المنوية والبويضات والأجنة المجمدة.

إننا مع كل ما يمكن ويجوز استخدامه من التقنيات الحديثة في الإنجاب والاحتفاظ بالبويضات والحيوانات المنوية والأجنة المجمدة وفق الشروط الشرعية التي أكد عليها العلماء والفقهاء لمعالجة العقم وحالات العقم أو الحالات السرطانية أو الجراحية للخصية والمبيض بالاحتفاظ المؤقت إلى أن يتحقق الغرض (المعالجة) وعدم التساهل في تجميد نطف الأجنة المجمدة لأن النطف هنا نطف أجنة بشرية كاملة (أطفال) تحمل أرواحًا تبحث عن أنسابها وحقها في معرفة مصدر جيناتها وانتمائها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store