Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

أخلاقيات كتابة الرأي

A A
وجدتُ نفسي وحيداً خلال نقاش دار مع مجموعة من الأصدقاء حول مقال جدلي نشرته إحدى الصحف، ما لبث أن تحوَّل إلى ما يُشبه المحاكمة لمقالات الرأي في صحفنا، ومدى قيامها بدورها، ودرجة مصداقيتها والتزامها بأسسٍ ومعايير مهنية محددة.. وصولاً إلى مقارنات غير منصفة مع «جيل الطيبين» من كُتَّاب الرأي!!.

وباعتباري واحداً من كُتَّاب الرأي، فإن شهادتي ودفاعي بهذا الخصوص ستكون مجروحة، وبالتالي فإن من الأجدى في مقالي هذا، أن أحاول -كمتخصص- الاكتفاء بتوضيح جانب واحد هام من جوانب كتابة «مقال الرأي»، وهو الجانب الأخلاقي المهني، مؤكداً على أن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، ومنها بالتأكيد جانب الرقابة الذاتية وغير الذاتية (سبق لي الكتابة عنها)، والجانب القانوني الضروري.. وهي جوانب لا يدرك صعوبتها سوى كُتَّاب الرأي أنفسهم، ومنهم زملاء أدخلتهم مقالاتهم في قضايا قانونية، وغرامات مالية قاسية، أو قرر بعضهم الانسحاب طوعاً والتوقُّف عن الكتابة.

ومع أن كتابة الرأي تختلف عن كتابة القصص الإخبارية، بكونها تهدف إلى «الإقناع»، وليس مجرد «الإعلام»، إلا أنها تخضع لنفس الاعتبارات الأخلاقية المهنية الأربعة التي حددتها «منظمة الصحفيين المهنية الأمريكية»، ويُدركها كل متخصص في الصحافة، وهذه الاعتبارات هي:

1- فتِّش عن الحقيقة وانشرها: فعلى كاتب الرأي مسؤولية جمع أكبر قدر من المعلومات عن الموضوع، والحرص على دقة تلك المعلومات وسلامة مصادرها، وتجنب الانحياز والتهويل، والأهواء والميول الشخصية.. صحيح أن كلمة (رأي) تتضمَّن وجهة نظر الكاتب الشخصية، غير أن ذلك لا يمنحه حق التدليس أو اجتزاء الحقائق ولي عنقها سعياً لإثبات رأيه. فعلى سبيل المثال فإن الكاتب الرياضي الذي يُسخِّر عموده لهدفٍ واحد، هو دعم الفريق الذي يُشجِّعه في كل الأحوال، والانتقاص من الفرق الأخرى، هو كاتب يفتقد للمهنية والمصداقية.

2- مراعاة النتائج الضارة المحتملة: مقالات الرأي ليست مهمتها إرضاء وإسعاد الجميع، بل إنها غالباً ما تتضمَّن ذكر أمور لا يرغب البعض سماعها. المهم هو تجنب تحويل المقال إلى إساءات شخصية أو عنصرية، أو تعدٍ على الخصوصية، أو اتهامات لا تستند على دليل، أو تتضمَّن مخالفة للقانون. وعلى الكاتب الحرص دوماً على تجنُّب منح مقاله صبغة الحقيقة بدلاً من الرأي.

3- الاستقلالية: فكاتب الرأي ينبغي أن ينأى بمقالاته عن أي ضغوط أو مصالح شخصية، تجعله ينحاز لطرفٍ دون آخر.. هذه الاستقلالية تعني مصداقية الكاتب، وقدرة مقاله بالتالي على تحقيق الإقناع والتأثير المطلوب.. المبالغة في المدح أو الذم، والشيطنة والملائكية، هي أسوأ داء يمكن أن يؤدي استفحاله لفقدان الإعلام عموماً لقوته وتأثيره.

4- تحمل المسؤولية: كتابة مقالات الرأي بحكم طبيعتها؛ تستلزم استعداد الكاتب لتحمُّل مسؤولية ما يقول، وهذا بدوره يُعيدنا للتأكيد على ضرورة تحري الدقة في المعلومات ومصادرها، وتأثيراتها وردود الفعل المختلفة حيالها.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store