Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

بين دبلوماسية «أبو كوجي» العامة.. وزوار السفارات

A A
أذكر في الماضي القريب يوماً كان فيه تردُّد مواطن على سفارة بلد أجنبي أمرًا مثيرًا للريبة والتساؤل.. واليوم جعلت التقنية والانفتاح هذا التردُّد أمرًا طبيعيا، لم يعد يقتصر على مجرد زيارات النخب للسفارات، بل وإلى زيارات مفتوحة متبادلة خرج فيها بعض السفراء -بشكلٍ غير مسبوق- من قلاعهم الرسمية شبه المعزولة عن المجتمع، إلى تفاعل لافت على أرض الواقع، وتفاعل افتراضي نشط عبر حساباتهم على تويتر مع الناس بكافة شرائحهم.. ومن أمثلة أولئك السفراء النشطين الذين نجحوا في الاقتراب من المجتمع السعودي، سفراء الصين وفرنسا واليابان وجيبوتي والبرتغال.

ما الذي تغيَّر، وما سر هذا التحول في الوسط الدبلوماسي، وما هي تأثيراته وتبعاته؟.

الإجابة ببساطة هي أن وزارات الخارجية التي كانت تُحلِّق تقليدياً بجناحين اثنين، هما جناح العلاقات الثنائية، وجناح العلاقات الدولية المتعددة، أدركت أن هناك جناحاً ثالثاً لا يقل أهمية، وهو جناح الدبلوماسية العامة، ويُقصد به: «التواصل مع الشعوب لأجل تحقيق أهداف السياسة الخارجية»، وتقع على عاتق السفراء مسؤولية كبيرة في تفعيله عبر أنشطة الدعم المختلفة advocacy activities التي يقومون بها.. وبهذا الصدد، تلقَّى السفير الياباني المعروف بـ «أبو كوجي» سؤالاً -من أحد متابعيه على تويتر- عما إذا كانت زياراته المكوكية لمختلف مناطق المملكة تتعارض مع باقي مسؤولياته العديدة كسفير، فأجاب محقاً: «إن من ضمن مهام السفير التعرُّف على الدولة المضيفة بكافة جوانبها».

وتساءل أستاذ الإعلام الدكتور محمد الأحمد عن مردود هذه النشاطات للمملكة، وما إذا كان السفير ينقل انطباعاته الجيدة تلك لشعب اليابان الصديق باللغة اليابانية؟، وفي رأيي أن مسؤولية السفير الأساسية هي خدمة مصالح بلده في البلد المضيف، وتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ومجرد قيام دبلوماسي رفيع بالتعرف على تفاصيل الثقافة السعودية بهذا القدر الذي يشمل التاريخ والفنون، والتعليم، والطبيعة والإنسان السعودي بكرمهِ وطيبتهِ وعفويته، فإن ذلك يعتبر بحد ذاته دعماً للقوة الناعمة السعودية، ويُسجِّل حتماً بشكلٍ أو آخر في ذهن ووثائق الذاكرة الدبلوماسية اليابانية، ومنها لقطاعات أخرى عديدة.

السفير الصيني أيضاً تجاوز عدد متابعي حسابه على تويتر 79 ألفاً، وهي قاعدة كوَّنها بعلاقاته الجيدة وتفاعله وحسه الإعلامي، وحرصه على الثقافة السعودية ومعايشتها، وربطها بالثقافة الصينية.. ويُجسِّد هذا الحساب نموذجاً للدبلوماسية العامة الفاعلة، ويعتبر بمثابة منصة إعلام خارجي صينية مؤثرة أوصلت للسعوديين مواقف الصين من قضايا هامة، سياسية واقتصادية وثقافية، أكثر مما وصلهم عبر وسائل الإعلام الصيني.

هذا الانفتاح السعودي الذي سهَّل التفاعل بين السفارات الأجنبية والمجتمع، هو في الواقع انعكاس لما أسميته في كتابي الأخير «قنديل رؤية 2030»، وهو القنديل الذي أتاح ضوؤه للعالم رؤية ملامحنا الجميلة على حقيقتها بشكلٍ مباشر، خال من التشويه المتعمَّد وسوء الفهم.. انفتاح لا يستدعي القلق والتوجُّس، بل يستدعي الثقة المتبادلة، والتوظيف الأمثل للإيجابيات، والوعي والتعامل الناجع مع أي سلبيات محتملة.. آملاً أن يُشجِّع ذلك مزيداً من السفراء لتلبية دعوة المجتمع السعودي لهم للتعارف الحقيقي المتبادل.. عن قرب وصدق وعمق.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store