Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عبدالله السالم

هيبة الملك فيصل وحكمته

A A
القائد يتعلم الآخرون من أقواله وأفعاله ويؤثر على أتباعه.. يقول ابن المقفع «يحتاج الحاكم إلى رأيين: رأي يقوي سلطانه، ورأي يزينه في الناس».. ولا غرابة أن نتأثر بجوانب معينة تجذبنا في شخصيات بعض القادة.. يقول سانت بوف «أخبرني بمن يعجبك من العظماء أخبرك بما أنت عليه من الذوق والخلق والذكاء».

من ضمن هؤلاء القادة المميزين في تاريخ بلادنا وتاريخ العالم الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- كانت هيبته مرتبطة بجاذبيته، وعندما يتحدث معه بعض المراجعين وجهًا لوجه في مكتبه كان يقرأ لغة أجسادهم ويصغي بتمعن، ولا يقاطعهم إلا فيما يتعلق بفهم موضوعهم.. هذه الكاريزما مع الصمت كانت تربك بعضهم وهم يتحدثون إلى الرجل الأول في الدولة.

يذكر الأمير خالد الفيصل أن الملك فيصل كان يخفف من توترهم بالنظر إلى «بشته» والتقاط بعض الوبر منه ليكملوا حديثهم بارتياح.. الأمير خالد الفيصل تأثر ببلاغة الصمت من والده، وعندما تدخل عليه في مكتبه يفاجئك بتعامله الإنساني الراقي، كأن يقول لك: مرت عليّ معاملتك السابقة... أو يتعاطف مع معاناة مراجع أرهقته البيروقراطية بتعقيداتها، كتلك المرأة التي قصدته في موضوع معقد، وبعد أن قرأ معروضها أخذ يشرح عليه «بمرسامه»، وبعد أن صدرت المعاملة للجهة المختصة تم حل مشكلتها ورجعت إليه لتعبر عن مشاعرها قائلة: إنها عندما شاهدته يكتب «بمرسامه» ظنت أن ما كتبه روتينياً، ولكن عندما راجعت الجهة أدركت أن مرسامه كان أقوى من السيف!.

روى المذيع غالب كامل أنه كان يغطي مناسبة افتتاح معهد الدراسات الفنية في الخرج، وبعد أن انتهى الملك فيصل من رفع الستار عن اللوحة التذكارية توجه نحو مكان قص شريط الافتتاح، كان المذيع والمصور التلفزيوني قد سبقا الملك ليأخذا مكانهما خلف شريط الافتتاح، وعندما انخفض المصور ليمر من تحت الشريط والكاميرا فوق كتفه، علق الشريط بكاميرته وانقطع وكان منحرجاً، وعندما رفع رأسه إذا بالملك فيصل أمامه وهو يقول «سلامات سلامات»، فقال له «آسفين طال عمرك»، فقال الملك «على راحتكم» وانتظرهم حتى تم وضع الشريط في مكانه وسألهم «جاهزون؟»، فقال له المذيع نعم، فقال الملك «بسم الله» وقص الشريط (عكاظ، 17/07/1430هـ، ص 18-16).

جسد الملك فيصل إنسانيته العظيمة في حلمه وعطفه وتواضعه، ولم يوجه أي نقد جارح للطاقم الإعلامي وإنما انتظر لدقائق مدركاً طبيعة الإنسان القابلة للوقوع في الخطأ بدون قصد، ولاطف المصور بقوله «سلامات».

وقصة أخرى رواها الأستاذ عبدالرحمن الحمودي رئيس المراسم الملكية سابقاً عندما طلب منه الملك فيصل -رحمه الله- أن يذكره بشيء مهم في اليوم التالي، فكتب ذلك في ورقة ووضعها بجيبه لتذكير نفسه، وشاء الله أن يصلي الفجر مع الملك فيصل، وبعد الانتهاء من الصلاة فوجيء بأن الملك فيصل يعطيه تلك الورقة التي سقطت من جيبه دون علمه، ولم يعاتبه أو ينتقده.

هذه التصرفات الحكمية ذكرتني بقول أحد الفلاسفة «ندنو من العظمة بقدر ما ندنو من التواضع».. وكان الفيصل -رحمه الله- عظيماً في إنسانيته وتواضعه، وأحبه الملايين في العالم الإسلامي، وكان بالفعل «رائداً للتضامن الإسلامي».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store