Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الزواج.. ونصف الدين!

A A
لم ألحَظ أي دليلٍ نقلي أو عقلي صحيحٍ ومُثبَت على أنّ «الزّواج نصف الدّين»، أو أنّ المتزوّجين بوصفهم كذلك، أكثر تديّناً من غير المتزوّجين، إذ من المُثير للدهشة والاستغراب، الاقتناع بأنّ أحدهم، وهو لم يتزوّج، يكون دينُه «ناقصاً»، أو أنّ إيمانه غير مُكتمل!. وكيف حاله إن تزوّج ثمّ تطلّق، فهل يفقد نصفَ دينه مرّة أخرى؟! وماذا عن المتزوّج من أربع نساء، هل يزدادُ دينه لأربعةِ أضعاف؛ مقارنةً بدِين غير المتزوّج؟! وهل إذا تزوّجت المرأة، صار دينها مُكتملاً، لتتخلّص بذلك من وصمة «نقص الدِّين والعقل»؟!.

يتوقّع بعض الناس أنّ الزّواج في ذاته مطلبٌ أساس لإكمال الدِّين، وهذا غير دقيق، إذ لا علاقة منطقيّة للزّواج بكمال الدِّين أو نقصه، فالزّواج سُنّةٌ فطرية دينيةٌ، وحتميّةٌ اجتماعية، ولا يجب الزّج بالدّين دون مناسبةٍ في مساعي الحثِّ عليه، وبخاصةً في مجتمعاتٍ تفتقرُ إلى الأُسس السّليمة الطبيعية للعَلاقة بين الذّكر والأنثى، وتتداخل فيها العادات والتقاليدُ بالتعاليم الدّينية بصورةٍ مشوّشة، وترتفع فيها نِسبُ الطلاق وقضايا الخلع والأحوال الشخصية بصورةٍ مضطردةٍ مُزعجة، وتكثر فيها حالاتُ الانفصال العاطفي، نتيجةَ الاستعجال في «جمع رأسين في الحلال»، في ظلّ غيابِ التّوافق الفكري بين الزّوجين، واضطراب السّلوكيات التي تجعل من الزّواج وصفةً كارثيّة جاهزةً للطلاق المُبكّر، ناهيك عن احتمال تسبّبه في الإساءةِ البالغةِ للطرفين، حال اضطراب العلاقة الزوجيةِ وغياب المودّة والرحمة، أو اختلال العَلاقةِ العاطفيةِ والحميمية بينهما، مما يضع شريكيْ الزّواج، على محكّ اختبارٍ أخلاقي، ويعرّضهما لخطر عداوةٍ مُزمنة؛ ومشكلاتٍ اجتماعية عويصة، وبخاصة عند تعقّد الشراكة المُهترِئة بوجود أطفالٍ من نتاجها.

من مُعضلات الزّواج أنه يتطلّب اهتماماً أصيلاً وقدرةً جيّدة على الثّبات الانفعالي والاتزان العقلي، فضلاً عن التحلّي بصفة المروءةِ، واستيعابٍ عميقٍ للحقوق والواجباتِ الشرعية والأخلاقية قبل الإقدام عليه، وهي أمورٌ من صميم الدّين وتمامِه، يجبُ ضمانها عن طريق التنشئةِ والرعايةِ والتربيةِ والتعليم، قبل التورّط في علاقة زواجٍ؛ الأصلُ فيها الاحترام المُتبادَل، والتقبّل الشخصي، والتوافق الفكري، لذلك -والله أعلم- فإنّ زواجاً بمعايير مُختلّة، وصورٍ عليلة، لا يُكمِل نصف دِين الشخص ولا حتّى ربعه، بل قد يكون سبباً في ذهاب ما لديه من بقيّة دِين، ورواسب عقلٍ، وفضالةِ أخلاق!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store