Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

(ترحاب).. ‏وأخلاقيات خدمة ضيوف الرحمن

A A
‏إن الطواف بالبيت العتيق سن منذ ‏بدء الخليقة، فقد كان أول شيء فعله آدم عليه السلام حينما هبط إلى الأرض؛ أن طاف بالبيت، فلقيته الملائكة فقالوا له: بر نسكك يا آدم، طفنا بهذا البيت قبلك بألفي سنة. ‏واستمر الطواف بالبيت عبر العصور. ‏وحينما جاء الإسلام، أصبحت مكة المكرمة مركزاً للعلم والثقافة والمعرفة، وجاءت شرائع الدين الإسلامي وأركانه ومنها الحج؛ الذي يُعدُّ ‏أكبر ملتقى عالمي سنوي يجتمع فيه الناس من مختلف الأصقاع، ‏يربطهم هدف واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

وحيث كان لابد من شخص يوجِّه الحاج لأداء المناسك والشعائر، ومنها الطواف بالبيت، ويُلقِّنهم الأدعية، ظهر ما يُسمَّى بمهنة الطوافة، ثم تطوَّرت لتصبح تقديم كافة الخدمات للحاج، ومرت بمراحل مختلفة، لست ‏بصدد ذكرها، ‏ولكنها وصلت اليوم إلى ما يُسمَّى: بـ (مقدِّمي خدمات حجاج الخارج). وهي تبدأ منذ استقبالهم للحجاج، وتقديم الضيافة لهم؛ وتمتد لتشمل السكن، والنقل، والإعاشة، والاهتمام بالنواحي الصحية والاجتماعية، بل والسهر على راحتهم، وبذل الغالي والنفيس لهم.

وقد تشكَّلت عبر الأزمان أخلاقيات مهنة الطوافة المستمدة من تعاليم الإسلام، ‏كالصدق، والأمانة، والعدل، والإخلاص، والاحترام، والعطف على الفقراء منهم، وبالمناسبة كان يأتي للحج فقراء، والمطوِّف بدافع حُبِّه للمهنة، وإخلاصه لها، ‏لا يجد بداً من إكرام الحجيج والسهر على راحتهم، إيماناً بقوله تعالى: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ)، وليس أدل على ذلك من وجود أوقاف بمكة بمُسمَّى (أوقاف فقراء الحجاج).

إن قِيَم الإسلام التي تَربَّى عليها أبناء المهنة، ورَّثوها لأبنائهم جيلاً بعد جيل، وحفظتها الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف قبل عدة سنوات في كتيِّب وزَّعته على المطوفين للاستفادة منه؛ وبث هذه القيم للأجيال الجديدة، التي تفنَّنت في خدمة ضيوف الرحمن باستخدام التقنية ووسائل الاتصال الحديثة، فجمعوا بين العلم والمعرفة، والأخلاق والخبرة في خدمات الحجاج. بالإضافة إلى ما كانت تُقدِّمه مؤسسات الطوافة من دورات تدريبية لرفع كفاءاتهم.

وقد أحسنت وزارة الحج والعمرة هذا العام بتقديم دورة مجانية بعنوان: (ترحاب)، وهي المهارات الناعمة لموظفي الصفوف الأولى في خدمة ضيوف الرحمن، والتي لم تقتصر على مقدِّمي خدمات الحجاج، بل امتدت لتشمل رجال الأمن العام، والدفاع المدني والممارسين الصحيين.. وغيرهم.

وحقيقةً، لم أكن بحاجة لمثل هذه الدورة، ‏فلدي دبلوم (إدارة خدمات الحج والعمرة)، ‏ولكن الدورة متطلب للمشاركين في مراكز تقديم الخدمة. وحقيقةً كانت مفيدة، لاشتمالها على عناصر مهمة، كالذكاء العاطفي؛ وهو الاتزان وضبط المشاعر والسلوكيات حسب كل موقف، مما يُحسِّن من عملية اتخاذ القرارات، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين في المواقف، وتحسين أداء المهام. كما قدمت إستراتيجية (التقمُّص)، ‏وهي وضع الإنسان نفسه مكان الآخر، وما يشعر به في الموقف، ليتفهَّم ‏احتياجات ‏الحاج، ثم إستراتيجيات للتعامل معه، والتي تنعكس على حل المشكلة.

كما اشتملت على كيفية صناعة اللحظة في رحلة الحج، وأن هناك أكثر من 180 نقطة اتصال من الممكن أن يستفيد منها جميع العاملين في خطوط التماس في رحلة الحاج؛ فاللحظة الجميلة تترك ذكرى لا تُنسَى، وهي أيضاً تمس سمعة المضيف والدولة عند الحاج؛ الذي يعتبر سفيراً لنا في بلده.

كما يحتوي الجزء الخاص بالعمل تحت الضغوط، على أجمل المبادئ والأساليب للتعامل مع الإجهاد، ومنها تحديد المهام، ثم تقسيم المهام الكبرى إلى أخرى صغيرة، وأهمية التنفس والجلوس الصحي، ووضع أهداف وأولويات للعمل، ثم آليات تخفيض الإجهاد، وإستراتيجيات إدارة الإخفاقات في العمل، والتعامل مع الشكاوى، وكيفية تحويل الإخفاق إلى فرص لتحسين رضاء العميل من خلال الاعتذار، وحل مشكلته بأسرع وقت ممكن، وبأفضل الطرق. ‏كل تلك الأساليب العلمية مرتبطة بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والأخلاقيات والقيم التي تدعم حسن التعامل مع ضيوف الرحمن؛ فالدورة ليست مجرَّد نشر ثقافة الابتسامة -كما يظن البعض- فقد تكون ابتسامة صفراء بدون آلية عمل دقيقة، وبدون تفهُّم لإدارة المشكلات.

كل الشكر والتقدير لوزارة الحج، ورحم الله الشيخ صالح كامل خبير الاقتصاد الإسلامي والاجتماعي الذي دعم دورة (ترحاب) بطباعة الكتب الخاصة بها.. حبًّا في مكة «عشقه وانتماؤه».


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store