Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الأغنياء.. وكرامة الفقراء

A A
كتبتُ في عام 2015 مقالاً في هذه الصحيفة بعنوان: «دعم الفقراء دون شيطنة الأغنياء»، قلتُ فيه، بأنَّ (الصراعات الطبقية والتوتر بين الأغنياء والفقراء؛ هو القاتل الصامت للمجتمعات، وعلاجه يكون بردم الفجوة بينهم، وتدعيم الطبقة الوسطى، وتفعيل الأنظمة التي تمنع الغش والاستغلال والاحتكار.. وبنفس الأهمية، فإنه يجب النظر للتجار على أنهم دعامة أساسية من دعائم الاقتصاد، وأن من أبسط حقوقهم تحقيق أرباح معقولة؛ تضمن استمرارية أعمالهم ودفع رواتب موظفيهم.. كما يجب ملاحظة أن التزلُّف للطبقة الشعبية من خلال شيطنة التجار، هي ممارسة ضارة شائعة بشكلٍ يستلزم التأكُّد من ملاحظتها، وعدم إضرارها بالمجتمع).

وكما أني أكدتُ في ذلك المقال على أهمية عدم شيطنة التجار، إلا أنه -وبكل أسف- انتشرت مؤخراً تصريحات لبعضهم وبعض مريديهم، تتضمن استخفافاً غير مقبول بمعاناة الفقراء، بشكل استفزازي يفتقد لأبسط مبادئ الرحمة والمسؤولية، في ظرف وصلت فيه نسب التضخم درجات غير مسبوقة، كان ضحيتها الأساسي هو «محدود الدخل»، والذي كان دخله سابقاً بالكاد يكفيه حتى نهاية الشهر، وجاء التضخم الأخير ليحيل حياته وحياة أسرته إلى معاناةٍ وعَوَز.

أحد التجار تحدَّث في لقاءٍ تلفزيوني أنكر فيه بشدة وجود تضخم في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وطالب الفقراء بشراء الأنواع الأقل سعراً منها، مستشهداً بشكلٍ غريب وعجيب بأنه يمكن شراء كرتون تمر بثلاثة ريالات فقط!! رامياً بكامل المسؤولية على تبذير المستهلك، ومتجاهلاً كلياً جشع الكثير من التجار، ومضاعفتهم غير المبررة للأسعار بشكلٍ استغلالي بشع.. وتحدَّث كاتب في مقارنة أخرى عجيبة قائلا: «يصرخون من غلاء الدجاج والبيض، ويصطفون طوابير لشراء كوب قهوة بعشرين ريالا»!.

وهناك أمثلة أخرى عديدة لا تقل استخفافاً بمعاناة الفقراء، تطل علينا باستمرار في وسائل الإعلام التقليدي والجديد.

لهؤلاء جميعاً نقول بأن ترديدهم من أبراجهم العاجية –تصريحاً وتلميحاً- بأن حق الفقير لا ينبغي أن يتجاوز قدرته على شراء كيس رز من أرخص الأنواع، وجالون زيت من أقلها جودة، وكرتون تمر غير صالح للاستهلاك الآدمي، وتحريم وقوف أبنائه مع أصدقائهم الميسورين لشراء كوب قهوة بعشرين ريالا، هو إهانة غير مقبولة لكرامة الفقير وإنسانيته، فالفقير في بلدنا من حقه أن يعيش بحدٍّ مناسب من جودة الحياة، وأن يحيا أولاده وبناته بكرامة بين أقرانهم، وعدم منافسة المتنفِّذين لهم بالمحسوبيات في فرص العمل، واستعراض مظاهر البذخ الجارحة أمامهم.. فالفقير لدينا لن يموت جوعاً، ولكنه يتجرَّع حسرةً من رؤية أُسرته تعاني، بسبب ضيق اليد وجرح الكرامة.

ختاما، لمن سيقول بأني أتحامل على الأغنياء، فضلا العودة للأعلى وقراءة الجزء الأول من مقالي هذا.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store